هل المحفظة الوطنية هنا؟ يتبادر هذا التساؤل إلى الذهن في هذه الأيام، خصوصاً وقتما يكون السوق المالي في حاجة ماسة إلى الثقة، في ظل مؤشرات ومعطيات تدعو إلى الاستغراب من اتجاه السوق ناحية النزول والتراجع السلبي، ويطول هذا الوضع أسهماً يكون مستغرباً تأثرها سلباً بعيداً عن واقع أرقامها.

في محطات كثيرة مرّت على البورصة، فشلت المحفظة الوطنية في صناعة الثقة، وهي عملية مختلفة تماماً عن عمليات تضخيم الأسهم أو ترفيع الأسعار، أو منع السوق من التصحيح والنزول، فليس المطلوب هو نفخ الأسهم والأسعار، أو رفعها، بل إيجاد حالة من التوازن في السوق.

Ad

ويمكن الإشارة إلى أن المحفظة الوطنية فشلت في تحقيق أداء مماثل للمؤشر الخاص بالمحفظة، كما فشلت في صناعة الثقة للسوق، استناداً إلى الرأي الرسمي الموثّق نتيجة أعمال الفحص والتدقيق من ديوان المحاسبة، الذي بيّن أن الأداء الإجمالي للمحفظة، وفقاً للفحص الأخير، حققت فيه أداء 24.75 بالمئة، علماً بأن المؤشر الخاص بالمحفظة Customized S& P بلغ عائده 29.13 بالمئة، دون تطبيق لضوابط متابعة المديرين الخارجيين المعمول به في الهيئة العامة للاستثمار، وتنصّ الضوابط في الدليل الخاص بمتابعة المديرين الخارجيين أنه يعطي بعد أربعة أرباع من الأداء غير الجيد، مقارنة بمماثليه إنذار شفهي، ويوثق في محاضر الاجتماعات، ثم رسالة إنذار، ثم إذا استمر بعد ربعين من رسالة الإنذار يتم التصرف إمّا بسحب الأموال الجزئي أو الكلي، ولم يتبين من محاضر الاجتماعات في الهيئة العامة للاستثمار تطبيق الضوابط أو الإشارة إلى إنذار المديرين عند انخفاض الأداء.

ولعل هذا التقاعس عن محاسبة المديرين أصحاب الأداء المنخفض كان محلّ استغراب كبير للجهات الرقابية الفاحصة، خصوصاً أن هيكل ملكية المحفظة تغيّر بالكامل، وأصبح ملك الهيئة العامة للاستثمار، بالتالي لها كامل الصلاحية في محاسبة المديرين.

ومن مسارات الاستغراب أن الهيئة تناقض نفسها في تبرير موقفها بعدم سحب الأموال من المتقاعسين بقولها إن مبدأ سحب الأموال الكلّي أو الجزئي يتناقض مع قرار مجلس الوزراء في 24 نوفمبر 2008، الذي ينصّ على أن الأهداف الرئيسية للمحفظة هي بناء الثقة بسوق الأوراق المالية والحفاظ على استقراره واحتواء التداعيات السلبية.

ويؤكد مديرون في كبريات شركات الاستثمار أن السوق المالي الكويتي له خصوصية ليس عن الاقتصادات والأسواق العالمية، بل حتى مقارنة مع أسواق الخليج التي نتشارك معها في كثير من التشابهات.

وفي أغلبية المراحل يحتاج السوق إلى عنصر الثقة، خصوصاً أن لدى المستثمرين سيولة كبيرة ووفرة هائلة، سواء على مستوى الأفراد أو الشركات والمؤسسات وتوظيفها أو تحفيزها على اقتناص بعض الفرص للآجال الطويلة تحتاج في المقام الأول إلى الثقة.

وبنظرة على واقع السوق منذ أشهر، يمكن لأيّ مراقب تلمُّس غياب أي بصمة تُذكر للمحفظة الوطنية، و«شلل» تام لصناع السوق على الأسهم المتعاقدين عليها، ولهم «العذر» بسبب كثرة الشروط والقيود وتضارب المصالح، فصانع السوق يريد أن يربح، وأصحاب الشركة يرغبون في الربح، والبورصة تريد عمولات، لذلك نجد شروط الحد الأدنى للتعامل والتدوير ضمن شروط عقود صناع السوق، فلا حريّة هنا ولا تجربة ناجحة.

لكن ما يمكن الإشارة إليه هو أن هناك خصوصية للاقتصاد تجب الاستفادة منها، بالرغم من أنه يجب أن يكون هناك طموح لتحقيق أفضل من هذا الواقع، لكن ما يمكن الإشارة إليه على صعيد المعطيات الراهنة ما يلي:

1- الاقتصاد الكويتي يقوم بدرجة كبيرة على أسعار النفط، ومرتبط ارتباطاً كليّا بها، وكلما كانت الأسعار مرتفعة تكون هناك ضمانة للصرف على المشاريع الرأسمالية وطرح المناقصات.

2- تستمد قوة الدينار الكويتي زخمها من القوة المالية للدولة، وبرغم كل التداعيات لا يزال الدينار بين العملات التي تتمتع باستقرار وتماسك وسعر صرف مرتفع مقابل العملات الرئيسية.

3- أغلبية الشركات المدرجة في البورصة حققت نتائج إيجابية في الربع الأول، ولا تزال موجة التوزيعات النقدية عن العام الماضي مستمرة.

4- بعض الشركات مستمرة بتنفيذ استحواذات وتوسعات ناجحة، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي والدولي.

5- القطاع المصرفي الكويتي في أقوى حالاته مالياً، وفي وضع مالي مريح قياساً ومقارنة حتى بالقطاعات المصرفية العالمية، وهذا مصدر ثقة واطمئنان كبيرين، خصوصاً أن البنوك هي شريان الحياة بالنسبة إلى الاقتصاد، حيث توفر التمويل اللازم، وهي جاهزة لكل المشاريع الضخمة، سواء الآنية أو المستقبلية أو الاستراتيجية التي يتم الحديث والتخطيط لها منذ سنوات أو عقود.

6- أكثر من عقد من الرقابة المحكمة من جانب هيئة أسواق المال ومشوار طويل من التنظيف والتنظيم عمّق الثقة ونظّم الكثير من الإجراءات، وتمت ترقية البورصة على مؤشرات عالمية، ودخلت استثمارات أجنبية في وقت قياسي وظروف استثنائية قيمتها تضاهي أو تتفوق على قيمة استثمارات الهيئة العامة للاستثمار في السوق.

7- تنافس بين الشركات القيادية والممتازة على تقديم توزيعات نقدية نصف سنوية، وتعهدات بوضع سقف وحد أدنى لهذه التوزيعات، مما يعكس الثقة والقدرة على تحقيق هذه الاستحقاقات، برغم التحديات.

8- استمرار حالات الاندماجات وتعزيز القوة المالية بين الكيانات، وهو ما يعكس وجود مشاريع مستقبلية أمام الشركات، وتستعد لها بهذه الخطوات.

9- تسهيلات نامية بشكل مستمر من جانب البنوك لعمليات الاستثمار في البورصة والمتاجرة بشراء وبيع الأوراق المالية بشكل يتفوق نسبيا على صعيد النمو على قطاعات استراتيجية.

10- زيادة مستمرة في حجم الأموال المدارة لدى كبريات شركات الاستثمار ناجمة عن محافظ جديدة ومستثمرين جدد يوجّهون فوائضهم المالية للسوق.

لكن التساؤل الأكبر هو: هل يمكن لشركات ترزح تحت هذه الملاحظات أن تدير محفظة وطنية مليارية ضخمة وتصنع بها سوقاً مالياً مثالياً، وتعمّق فيه مستوى الثقة؟ وكيف يمكن أن تنجح هكذا محفظة في هكذا بيئة؟ وفيما يلي الملاحظات:

• بناء مخصص انخفض قيمة عقار رغم عدم امتلاكها حصة في الشركة التي تملك العقار.

• انحرافات أثبتها ديوان المحاسبة تتعلق بأحد بنود المصروفات.

• استمرار تراكم الخسائر في الشركات التابعة لتصل إلى 9.8 ملايين بما يزيد على 75.7 بالمئة، في حين أن رؤوس أموال هذه الشركات 13 مليوناً.

• مخالفة الشركة لأسس الأعداد والسياسات المحاسبية المهمة التي تستند إليها في إعداد البيانات المالية للمجموعة.

• إخفاء الشركة لمستندات تخص مكافآت خاصة بحجّة أن رأي «الفتوى والتشريع» يؤيد موقف الشركة، وعدم أحقية ديوان المحاسبة في الاطّلاع عليها.