الملطان
ثقافة مشوهة آخذة بالتشكل في عالم موازٍ بمرتكزات غير حميدة، تحقير وكراهية مطلية بشوكولاتة الكوميديا المقرمشة لتكون شهية، تمضغها العامة وتستمتع بها، فالاستهزاء بالمختلفين شكلاً أو سلوكاً أو جنسية أو أصلاً أو معتقداً أو طبقة يولّد لدينا شعوراً بأفضليتنا وإن كان زائفاً، ثقافة لم تولد من الفراغ فهي امتداد لثقافة متجذرة في تجمعاتنا الاجتماعية مثل الدواوين وشاي الضحى ومكاتب الوظيفة الحكومية ذات الإنتاجية المرتفعة، بالانتصار للرجعية والتنمر والأفكار غير المسؤولة.
خطورة هذه الثقافة في كونها نموذجاً لعالم افتراضي بدأ النخر الفعلي بقيمه وأفكاره غير الخاضعة لمشرط النقد، يكفي أن يثرثر مغرد أو حساب ما بكثافة وجهل مسدياً تشخيصاً وحلولاً سياسية واقتصادية بثقة يحسد عليها مع قليل من البهارات العنصرية المؤثرة لزوم التأثير والانتشار، يحصد عشرات الآلاف من المتابعين، يدعمه إعلام «أصفر» ساعٍ للانتشار والكسب بمعزل عن المهنية، يتأهل بعدها المغرّد للمرحلة الثانية، تزداد جماهيريته ليقوم بترقية نفسه إلى رتبة «ناشط» التي تؤهله لأن يكون أحد متخذي القرار لدى سلطة ردة الفعل فاقدة البصر والبصيرة، يكبر المغرد ويصغر الوطن.
من المفردات القبيحة الرائجة مؤخراً في وسائل التواصل الاجتماعي والتي ساهم بنشرها مجموعة من المشار إليهم، «الملطان» (حليقو الشوارب)، وهي مفردة ذات دلالات عدة لا تخلو من كراهية مزدوجة ترتكز على أسطورة ارتباط الشرف بوجود الشعر في الوجه، مصحوبة بطبقية مقيتة تكرس الكراهية ضد فئات معينة، يقوم مغرد ما أو أحد الحسابات الإخبارية (المرخصة!) باقتطاع عبارة من سياقها بدون الإشارة لمصدرها أو تاريخها تحمل في طياتها الإثارة مع إرفاقها بصورة كبيرة ومنتقاة لقائلها بشكل يضمن الإثارة ورفع أدرينالين الجمهور المتعطش للنهش بـ «الملطان» الأشرار أعداء المواطن البسيط، تزداد حصيلة المتابعين لتكسبهم نجاحاً في العالم الافتراضي تعويضاً لفشلهم في «الحقيقي»، ولو قدّرت لتلك الحسابات مصلحة ما مع ذلك «الأملط» لجعلوا منه عالماً فاضلاً وشيخاً جليلاً، وما حفّه لشاربه سوى امتثال للسنة الشريفة.