الوشاية والتحريض أدوات غير أخلاقية تكاد لا تخلو منها الانتخابات، لكنها ازدادت كثيراً في الانتخابات الحالية، واستخدمت فيها وسائل التواصل بشكل حاد وملحوظ، خصوصاً في ظل الانقسام الحاد بين فريقين معروفين، في حين هناك فريق ثالث التزم بطرح القوانين التي سيقدمها في المجلس القادم وأهميتها للبلاد وبين رأيه بصراحة في القضايا المطروحة على الساحة مثل القوانين الشعبوية والوضع المالي للبلاد والتعديلات على اللائحة الداخلية للمجلس، وأزمة التوظيف والإسكان.

وقد استمعت شخصيا إلى مقابلات مطولة مع بعض المرشحين تشرح مواقفهم من هذه القضايا بشكل مطول يسعى الى إقناع الناخب دون أي إساءة للآخر، ولو التزم كل فريق بهذا الطرح مع وجود الخلاف في الرأي لكانت المنافسة ظاهرة صحية تساهم في تبصير الناخب بمشكلات البلاد وطرق حلها، ولكان التنافس يعبّر بالفعل عن موقف الشعب وإرادته.

Ad

ولكن المشكلة الحالية أن هناك بعض المحسوبين على الفريقين المتصارعين يصرون على تخريب التنافس الشريف، ويعمدون إلى الإساءة، ولا يقبلون بأي نقد لطرح أي من الفريقين أو أسلوبهم، وسرعان ما يحرضون على أي رأي محايد أو مخالف لبعض آرائهم، ويرميهم بأنهم مع الفريق الآخر، خصوصاً باستخدام وسائل التواصل والحسابات الوهمية، وهذا واضح في عدة مشاهد يومية مثل محاصرة المرشحين لمعرفة من سينتخبون لرئاسة المجلس مع أن قانون اللائحة نص على السرية، وأيضا مسارعة بعضهم (وليس جميعهم) إلى رمي أي ناقد لهم بالفساد دون دليل أو قرينة أو تحويل إلى النيابة العامة، واتهام كل ناقد لأي رأي أو موقف معين لأي طرف بأنه يعمل للفريق الآخر (مرزوقي أو حكومي أو معارضة مضروبة)، ونشر الإشاعات والأكاذيب عن أي ناشط أو كاتب ينتقد أي موقف لهذا الفريق أو ذاك.

ومن الأمثلة على ذلك انتقادي الاستجوابات غير الدستورية التي قام بها أحد الفريقين في مجلس 2020 وهو رأي عليه إجماع دستوري فاعتبر الفريق الثاني أن هذا انحيازٌ للفريق الأول، وعندما كتبت عن عدم دستورية قرار تأجيل الاستجوابات المزمع تقديمها اعتبر الفريق الأول أنه انحيازٌ للفريق الثاني، وعندما كتبت منتقدا بعض قرارات مجلس 2022 قال بعض المعارضين «إنني أهاجم المجلس الممثل فيه السلفيين».

ومن الأمثلة أيضا التحريض الذي تعرضت له السلطة القضائية بعد حكمها الأخير بإبطال انتخابات 2022 حيث تجاوز الأمر الانتقاد العلمي إلى التحريض العلني والطعن في الأمانة والنزاهة في القضاء، ومن الأمثلة أيضاً ذلك السب والشتم لكل من لا يوافق على إسقاط أو شراء القروض، وكذلك ما تعرض الأخ صالح الفضالة من تجريح وإساءة ومحاولات لإقالته وإلغاء الجهاز بأكمله، وكذلك ما رُمي به الأخ د.عادل الصبيح من تهم عندما أدلى برأيه منتقداً قرار اللجنة الإسكانية في المجلس مع أنهم محسوبون على الحركة الدستورية.

كثير من المخلصين الذين يعلنون رأيهم بصراحة يتعرضون للأذى في هذا الصراع المحتدم الآن والذي يخلو أحياناً من الخلق والأدب الإسلامي، ولكن عليهم ألا يخضعوا وألا ييأسوا، وعليهم الصبر على مواقفهم، وأن يعلموا أن الأذى محتوم على كل من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، كما قال تعالى في سورة لقمان: «يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ».

المهم أن يتم الانتباه والتصدي لمن يستغلون الانتخابات للطعن والتجريح والتحريض مع الصبر على أذاهم وحسابنا وحسابهم عند الله تعالى.