على الرغم من التطور الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي وتقريبها المسافات وجعل العالم قرية صغيرة، فإنها في الوقت نفسه تنطوي على جوانب مظلمة تتعلق بالأيادي والعقول والنوايا السلبية التي تستخدمها لتجعلها أشبه بتلوث يشوب الشبكة الافتراضية، وحروب بالوكالة قوامها الحسابات الوهمية والمزيفة، حتى باتت سلاحاً يستخدم في التأثير على الرأي العام في أي تجربة ديموقراطية ومنها «أمة 2023».
فمن منا لم يلاحظ أو يسمع عن وجود حسابات مزيفة بأسماء مستعارة وشخصيات مجهولة تتخفى خلف شاشات الهواتف النقالة، وتبث سموم الفتنة تارة، وتطلق الشائعات والأكاذيب للنيل من أشخاص بعينهم تارة أخرى، لكن في المقابل ثمة من يقف لها بالمرصاد، ويحذر ويوجه للتنبه منها، ولم تفوّت القيادة السياسية الكويتية الفرصة أكثر من مرة لتحذر من خطورة هذه الحسابات وضرورة عدم الالتفات إليها.
ففي أكثر من مناسبة، حذر سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد من خطورة تلك الظاهرة السلبية، بل شدد سموه أيضاً على وجوب تكثيف الجهود في التصدي للشائعات ومواجهة مخاطرها ووضع استراتيجية للتعامل مع وسائل التواصل التي تنشر أخباراً وأحداثاً غير صحيحة قد تؤدي إلى إحداث فتن بين الأفراد تمتد أحياناً إلى خصومات وصراعات بين الشعوب والبلدان.
مكافحة الظاهرة
وعلى أعتاب الاستحقاق الديموقراطي البرلماني في الكويت ممثلاً بانتخابات مجلس الأمة 2023 في (6/6) تثار تساؤلات وأفكار كثيرة حول محاولات من تلك الحسابات الوهمية ومن يقف وراءها للتأثير على الرأي العام، والتشويش على التجربة الديموقراطية الرائدة التي تتميز بها الكويت، مما يستوجب رهاناً كبيراً على وعي الناخبين، وتضافر جميع الجهود الرسمية والشعبية لمكافحتها تقنياً وقانونياً ولوجستياً.
وبهذا الشأن، قال الوكيل المساعد للصحافة والنشر والمطبوعات في وزارة الإعلام لافي السبيعي لـ «كونا» إن الحسابات الوهمية «هي حرب بالوكالة من حسابات موجهة يديرها أفراد أو جماعات إلكترونية مختصة لبث أخبار ملفقة من خلال عبارات (مصادر/ أنباء/ معلومات) بعناوين جاذبة بهدف إثارة الفتن».
وأضاف السبيعي أنه «ليس بالضرورة أن يكون صاحب الحساب الوهمي شخصاً حقيقياً، بل ربما تكون برمجة إلكترونية تستخدم كوسيلة ضغط على مؤسسات الدولة أو زعزعة الأمن الاجتماعي والولاء الوطني، وبث أفكار دخيلة لتفكيك التجانس المجتمعي، وقد تستخدم أيضاً لترويج الفساد من خلال التشكيك في جدية خطط وبرامج الجهات الحكومية».
وأوضح أن الحسابات الوهمية قد تدار من جهات تهدف إلى التأثير على أمور معينة كنتائج الانتخابات، أو تحريك الرأي العام من خلال استطلاعات واستفتاءات لا تعتمد على مراكز متخصصة أو الإساءة لمرشحين من خلال نشر شائعات أو معلومات غير حقيقية في توقيت حساس من الصعوبة على هؤلاء المرشحين إثبات الحقيقة حينها وصورة الواقع بجلاء.
وأكد ضرورة عدم المشاركة في أي وسم (هاشتاق) مصطنع تستخدمه تلك الحسابات، مع التبليغ عنها من خلال خاصية التبليغ المتاحة في أغلب تطبيقات التواصل الاجتماعي، أو من خلال التواصل مع الجهات المعنية في الدولة.
وشدد على وجوب نفي صحة أي شائعة أو أخبار كاذبة تبثها الحسابات الوهمية، وبصورة مباشرة حتى لا يتم تداولها على أنها صحيحة، كما يجب التأكيد على الجمهور تحري الدقة والمصداقية بما يتم تداوله من أخبار وأخذ المعلومات من مصادرها الرسمية.
وذكر أن «الحسابات الوهمية تبث أخباراً كاذبة لجذب المتابعين، وبعدها تقوم بعمل الإعلانات بهدف استغلالهم مادياً، وهناك حسابات تمارس الاحتيال الإلكتروني للحصول على البيانات السرية والخاصة لمنافع غير مشروعة، لذا يجب أن نكون واعين تجاه هذه الممارسات والتواصل مع إدارة الجرائم الإلكترونية فورا للإبلاغ عنها، لأنه بالإضافة إلى الاستغلال المادي ستتسبب في اختراقات لحسابات معلومات المشارك».
برمجيات لا أشخاص
من جهتها، قالت عضوة هيئة التدريس في جامعة الكويت رئيسة الجمعية الكويتية لأمن المعلومات د. صفاء زمان لـ «كونا»، إن الحسابات الوهمية هي نوع من الحسابات التي يتم من خلالها شراء متابعين أو إعادة تغريدات عن طريق استخدام برمجيات تسمى «bot» لزيادة المشاركات (likes) فمن يعمل خلف تلك الحسابات ليسوا أشخاصاً بل برمجيات.
توعية وإرشاد
في السياق، ورداً على سؤال بشأن عمليات الاحتيال الإلكتروني واختراق الحسابات بسبب التفاعل مع الحسابات الوهمية، قال رئيس قسم الخدمات المساندة بالإنابة في إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، المقدم عمار الصراف لـ «كونا»، إن إدارة الجرائم قدمت الكثير من خدمات التوعية والإرشاد للجمهور والمؤسسات الحكومية والخاصة لتجنّب التعامل مع الحسابات الوهمية التي تقوم بعمل إعلانات تجارية بهدف الربح السريع عبر منصات التواصل، بالتعاون والتنسيق مع هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وشركات الاتصالات.
بدوره، شدد رئيس جمعية المحامين الكويتية، المحامي شريان الشريان، لـ «كونا» على خطورة الحسابات الوهمية، محذّراً من هذه المنظومة التي يستخدمها البعض لبثّ الفتن والأكاذيب وتصفية الحسابات.
وقال الشريان، إن التصدي لهذه الحسابات يتطلّب تضافر جهود أجهزة الدولة من خلال سن تشريعات وقوانين صارمة والتواصل مع الشركة الأم، مثل «تويتر» و«إنستغرام» و«سناب شات»، وغيرها من منصات التواصل، لإيقافها، إضافة إلى عمل حملات توعية لحماية أفراد المجتمع من تعرّضهم للاحتيال والاستغلال.