في حياة كل واحد منا - كما في حياة كل البشر- محطات يمر بها عبر مسيرته الممتدة بامتداد عمره، بعض هذه المحطات يستعجلها الإنسان ويتوق للوصول إليها، ولو كان الأمر بيده لطار إليها مسرعا، وبعضها يريد أن يؤخره، ولو كان الأمر بيده لما وصل إلى تلك المحطة أبدا، ويختلف الأمر باختلاف الإنسان، فما يستعجله أحدنا قد يهرب منه آخرون، والعكس صحيح ومشاهد وملموس.
ولعل الأمر يرتبط بإدراك الإنسان لطبيعة كل محطة يصل إليها وكل مرحلة من حياته.
وكما في حياة البشر محطات هناك أيضا علاقات وبشر يرتبط بهم ارتباطا عاطفيا وإنسانيا، منطلقا من طبيعته البشرية التي يجسدها قوله تعالي: «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، فالتعارف والتفاعل بين البشر في هذه الحياة الدنيا يجعلان بينهم رابطة تقوى وتضعف بحسب ما يتعارف منها فيأتلف، وما يتناكر منها فيختلف.
وقد تحكم بعض المحطات على بعض العلاقات، فمحطة تنشئ علاقة وتبدأها ومحطة تغيم على علاقة وتنهيها، وبين الفرح بنشوء العلاقات والحزن بغروبها يعيش الإنسان أسير مشاعره... لكنها طبيعة الحياة، فبعض المغيب إشراق، وبعض الخسارات مكاسب، وعلى وقع هذا القانون الديناميكي تتغير بعض العلاقات المكدرة المشوبة بأغراض التمصلح والمنفعة فسرعان ما يظهر زيف معدنها أمام اختبارات الحياة وتبدل الأدوار، في مقابل معادن نبيلة كريمة صافية تبقى متألقة لا تغيرها الأماكن وتبدل المناصب وتباعد المسافات.
وهنا في هذا الإطار تبرز علاقتي وعلاقة الزملاء في وكالة الأنباء الكويتية (كونا) بالزميلة الكريمة شروق الشطي، نائبة رئيس تحرير «كونا» لشؤون النشرة العربية، التي وصلت إلى محطة التقاعد الوظيفي والتي نرجو لها أن تكون محطة خير وبركة وراحة بال، وهي الزميلة المحترمة التي عاصرتها منذ كانت رئيسة نشرة إلى أن أصبحت نائبة لرئيس تحرير الوكالة، وما بين المنصب الأدنى والمنصب الأعلى لم يلحظ أحد ممن تعامل معها أي تغير، فظلت كما هي ترفل في ثوب التواضع وتتزيا بالأخلاق الدمثة وتتوشح بلين الجانب، فما أجمل مثل تلك الشخصيات التي تحفر لنفسها مكانا في قلوب الجميع، فلها منا كل الاحترام والتقدير.
ولقد حضرت حفل توديعها وتكريمها بمشاعر مختلطة، لا يمكن فصل أحدها عن الآخر، وهو الوداع الصعب كما وصفه نائب رئيس تحرير «كونا» للشؤون الدولية الزميل عقاب القوبع، في كلمته الارتجالية التي بدأ بها الحفل الذي أقامه محررو الشؤون العربية والدولية، تكريما للزميلة الشطي، والتي تخللها الكثير من العواطف، ما جعل عيني المكرمة تذرفان الدموع، لتتجاوب معها أعيننا جميعا.
وكانت الشطي ترسم بتعاملاتها أجمل أشكال العلاقات الإنسانية مع المرؤوسين والزملاء وهو ما تجلى في المشاعر التي سيطرت على كل الموجودين بحفل تكريمها وكل من تحدث بكلمة عنها، ومن بينهم الزميل مدير التحرير عبدالحكيم الرفاعي الذي يعد أقدم زميل للشطي، والذي أثنى عليها بما تستحق وفاضت مشاعره بأطيب الكلمات التي دلت على ما أحدثته الشطي في النفوس خلال مسيرتها العامرة.
وكان للزميل محمد عادل كلمة أكد فيها أنه لم يجد منها طوال فترة تقارب أربعة عشر عاما «إلا كل أدب، وذوق، واحترام، وتقدير، فكانت نعم الأستاذة، والزميلة، والرئيسة».
وأخيرا، نسأل الله أن يسدد خطى الشطي والزملاء جميعهم، وأن يفيض عليهم من بركاته ويبارك عمرهم وحياتهم بما ينفع الناس ويمكث في الأرض.