أكد مصدر مقرب من الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، الأدميرال علي شمخاني، أن سبب الاستقالة المفاجئة للأخير من منصبه الذي شغله 10 سنوات، كان تصاعد الخلاف بينه وبين الرئيس إبراهيم رئيسي، حول الجهة التي يجب أن تتولى ملف العلاقات مع الدول العربية.
وحسب المصدر، فإن رئيسي كان ينوي تغيير شمخاني منذ تسلمه السلطة في أغسطس 2021، باعتباره آخر شخصية محسوبة على الإصلاحيين تتولى منصباً رئيسياً، لكنه واجه تردداً من المرشد الأعلى علي خامنئي، خصوصاً في ضوء الحوار الذي كان دائراً بالفعل بين طهران والرياض في بغداد، كما انشغل رئيسي بمواجهة الاحتجاجات على مقتل الشابة الكردية مهسا أميني بسبب الحجاب الإلزامي، والتي اعتُبِرت أقوى وأطول احتجاجات على نظام الجمهورية الإسلامية.
وعاد رئيسي ليصعّد مطالبته بإقصاء شمخاني، وهو عربي من الأهواز، ينتمي إلى عشيرة الشماخنة التي تنتسب إلى قبيلة بني ربيعة، ويتحدث اللغة العربية بطلاقة، وذلك بعد إدانة مساعده علي رضا أكبري، قبل نحو 8 أشهر، بالتجسس لمصلحة بريطانيا، وصدور قرار بإعدامه، وحينئذٍ أصدر رئيسي، بالفعل، قراراً بإقالة شمخاني، إلا أن خامنئي تدخل مجدداً، وطلب من رئيسي التراجع.
وفي وقت لاحق، أعلن خامنئي تعيين شمخاني مستشاراً سياسياً له لينضم بذلك إلى حليفه كمال خرازي.
وكان شمخاني، الذي يعد العربي الوحيد الذي يتولى منصباً رفيعاً ويحتل مكانة في دوائر القرار بطهران، يعمل مع عدد من قدامى الدبلوماسيين المقربين من خامنئي، مثل خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، الذي يعد الذراع الخارجية لمكتب المرشد الأعلى، وعباس عراقجي الذي عُيِّن أميناً عاماً لهذا المجلس، بأمر من خامنئي بعد إعفائه في 2021 من منصبه ككبير المفاوضين النوويين ونائب وزير الخارجية، بالإضافة إلى عدد آخر من الدبلوماسيين المحنكين، الذين كانوا يشكلون ما يشبه وزارة خارجية ظل تملك نفوذاً واضحاً.
وفي الأيام الماضية، شهد الخلاف بين رئيسي وشمخاني محطة مفصلية، بعد اجتماعٍ للسلك الدبلوماسي مع خامنئي، دعت إليه وزارة الخارجية جميع السفراء للمرة الأولى منذ 3 سنوات، وخلال الاجتماع، أثار بعض السفراء، بإيعاز من رئيسي، مسألة تعيين سفراء من خارج السلك الدبلوماسي، معبرين عن رفضهم لهذه الممارسة، في رسالة مباشرة إلى شمخاني، الذي كان قد ضغط لتعيين عدد من المقربين منه في مناصب دبلوماسية، مثل سعيد إيرواني مندوب إيران بالأمم المتحدة.
وكانت «الجريدة» كشفت سابقاً أن شمخاني يتمسك بتعيين سفير مقرب منه في السعودية، ليتولى ملف إعادة ترميم العلاقة مع المملكة، وأن هذا الأمر عرقل عملياً إعادة فتح السفارات بين البلدين في مهلة الشهرين التي نص عليها الاتفاق الذي وقعه شمخاني نفسه في بكين.
ويقول المصدر إن إثارة رئيسي قضية التعيينات في اجتماع مع المرشد أغضبت شمخاني، وكان السبب الرئيسي لتقديمه استقالته إلى خامنئي، متجاوزاً رئيسي بصفته رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي.
وذكر أن الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى، أمس الأول، كان حافلاً بالخلافات بين شمخاني وأنصار رئيسي، الذين اتهموا شمخاني بالتمسك بملف العلاقات مع السعودية ودول الخليج للتربح تجارياً ولوّحوا بكشف مستندات مالية تُظهر تورط أبنائه في الفساد، خصوصاً في قضية إعادة مليارات الدولارات التي كانت شركة أدميرال لشحن النفط التي يملكونها حصلت عليها من بيع مئات آلاف البراميل من النفط، التي كانت محجوزة في عرض البحر، وكذلك اتهامات بالتلاعب في سعر ضرف العملة.
من ناحية أخرى، كشف المصدر أن إحصاءات داخلية أظهرت أن شعبية شمخاني ارتفعت بعد إشرافه على توقيع الاتفاق مع السعودية، وهو ما أثار حساسية لدى بعض مستشاري رئيسي الذي يرغب في الترشح لولاية ثانية، والذين أصروا على ضرورة إزاحته من الساحة قبل فوات الأوان، خصوصاً أن هناك إقصاءً منهجياً من مستشاري رئيسي لكل مَنْ يشكل خطراً انتخابياً عليه أو حتى الذين يتجرأون على انتقاد سياسات الفريق الاقتصادي للحكومة، مثل محسن رضائي مساعد الرئيس للشؤون الاقتصادية الذي أُقصي عملياً دون إعلان ذلك.
وكان شمخاني أثار غضب رئيسي كذلك، بموقفه من قضية رفض الحجاب الإلزامي من عدد متزايد من النساء بعد احتجاجات مهسا أميني، إذ كان يردد دائماً أن جذر المشكلة هو تردي الأوضاع الاقتصادية، وأنه في حال تمكنت الحكومة من تحسين أوضاع عموم الناس فإن موضوع الحجاب سيصبح موضوعاً تفصيلياً لدى الأغلبية العظمى من الإيرانيين.
في المقابل، تمسك رئيسي ومعه رئيس الشرطة الأصولي المتشدد أحمد رضا رادان بضرروة تطبيق قرار الحجاب الإلزامي بالقوة، كما صاغت الحكومة مشروع قرار لتقنين كيفية إجبار النساء على ارتداء الحجاب.
إلى ذلك، كشف المصدر لـ «الجريدة»، أن رئيسي قرر في البداية تعيين سعيد جليلي خلفاً لشمخاني، لكن مجتبى خامنئي، نجل المرشد، قطع الطريق على تعيينه، ونال موافقة والده على تعيين اللواء علي أكبر أحمديان المقرب منه في هذا المنصب الحساس. ويقرر المجلس الأعلى للأمن القومي السياسة الدفاعية والأمنية، في إطار المبادئ التوجيهية التي يضعها المرشد الأعلى.
ويعد أحمديان من كبار قادة الحرس خلال الحرب العراقية- الإيرانية، إذ كان مسؤولاً عن مقر «نوح» العسكري. وشغل منصب قائد القوة البحرية في الحرس الثوري، ورئاسة هيئة الأركان المشتركة للحرس، ثم رئاسة المركز الاستراتيجي لهذه المؤسسة العسكرية منذ 2007. وكان الرئيس الوسطي السابق، حسن روحاني، عيّن شمخاني، وهو عميد بحري تولى قيادة بحرية الحرس، رئيساً لجهاز الأمن في عام 2013، بعد أن شغل مناصب سياسية عديدة تضمنت منصب وزير الدفاع.