في هجوم وصف بالأكبر داخل الأراضي الروسية منذ بدء غزو أوكرانيا أواخر فبراير العام الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، التصدي لتوغّل حدودي قامت به «فصائل قومية أوكرانية متطرفة» في مقاطعة بيلغورد، مؤكدة مقتل أكثر من 72 مسلحاً، في وقت تبنت جماعتان من المتطوعين الروس الذين يقاتلون إلى جانب أوكرانيا الهجوم.
وذكرت السلطات الروسية أن المنطقة الحدودية مع أوكرانيا تعرّضت لقصف بالمدفعية وقذائف هاون وأسلحة ثقيلة وطائرات مسيّرة من دون طيار منذ أمس الأول، مؤكدة أنها اضطرت إلى إخلاء مدنيين من 9 بلدات.وأفاد حاكم منطقة بيلغورود، فياتشيسلاف جلانكوف، بأن عدة مسيّرات ضربت منازل ومبان حكومية ليل الاثنين ـ الثلاثاء، فيما فتحت سلطات موسكو تحقيقا في ملابسات الحادث ولتحديد هوية المهاجمين والمتسللين. وأضاف حاكم بيلغورود أن «عملية التطهير التي تقوم بها وزارة الدفاع وقوات الأمن متواصلة» في جريفورون ببيلغورود. وسبق أن أعلن عن إصابة 12 شخصا بجروح، وقال إن عشرات المباني تضررت وانقطعت الكهرباء عن 14 قرية جراء القتال.وأوضحت موسكو أنها لجأت لضربات جوية ومدفعية لصد الفصائل القومية وإلحاق الهزيمة بها قبل طردها إلى أراضي أوكرانيا.
وكانت السلطات الروسية قد أعلنت، أمس الأول، أن مجموعة «تخريبية» دخلت منطقة بيلغورود، مما دفعها إلى إعلان نظام «لمكافحة الإرهاب» وإجلاء المدنيين، في محاولة لصد الهجوم الجديد على أراضيها.
ويسمح إدراج بيلغورود ضمن «النظام القانوني لمنطقة عمليات لمكافحة الإرهاب»، للسلطات والأجهزة الأمنية، بفرض إجراءات تشمل تعزيز الأمن ومراقبة الاتصالات على غرار ما تم في الشيشان بين 1999 و2009، حين حاربت موسكو متمردين في المنطقة الجبلية.
واستهدفت بيلغورود الواقعة على حدود أوكرانيا تكراراً بقصف أدى إلى سقوط عشرات الأشخاص، لكنّ التوغل والتسلل الجديد ينذر باحتمال اتساع دائرة العنف ويلقي بظلال على ما قالت الولايات المتحدة إنه تعهّد تقدمت به سلطات كييف بعدم استهداف الأراضي الروسية في حال إمداداها بطائرات مقاتلة من طراز «F16» التي يمكنها إغلاق الأجواء أمام الغارات الروسية.
حريّة ونفي
وتبنّت مجموعة تسمي نفسها «فيلق حرية روسيا»، وتقول إنها «مؤلفة من روس يقاتلون إلى جانب أوكرانيا»، هذا الهجوم عبر «تليغرام».
وكانت «حريّة روسيا» التي تصنّفها موسكو مجموعة إرهابية، تبنت توغلات في المنطقة سابقاً. وفي شريط فيديو نشر على «تليغرام»، قال متحدث مقنع وسط عناصر مسلحة، إن «روسيا ستكون حرّة!» وهو شعار يردده تكراراً ناشطون من المعارضة الروسية. وأضاف المتحدث: «نريد أن ينشأ أولادنا بسلام، وأن يكونوا أحراراً»، مضيفاً أنه «تمت مهاجمة منطقتين إحداهما جريفورون».
وفي كييف، قال مستشار الرئاسة الأوكرانية، ميخايلو بودولياك، عبر «تويتر»، إن «أوكرانيا تتابع باهتمام الأحداث في بيلغورود الروسية وتدرس الوضع، لكن ليس لديها أي علاقة بذلك».
وأضاف: «القوة السياسية الوحيدة الدافعة في بلد استبدادي هي دائماً حركة جماعة مسلحة». كما ذكرت الاستخبارات الأوكرانية أن السلطات الروسية تقوم بإخلاء «منشأة بيلغورود 22 لتخزين الذخيرة النووية على وجه السرعة».وقال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف أمس، الذي يرافق رئيس الحكومة الروسية في زيارة إلى بكين، إنه كلما زادت القوة التدميرية للأسلحة التي تتلقاها أوكرانيا من داعميها الغربيين، زاد خطر «النهاية النووية للعالم».
من ناحيته، قال رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان خلال منتدى للطاقة في قطر، إن أوكرانيا لاتستطيع الفوز بالحرب ضد روسيا، وإنه لا يمكن أن يتوقف القتال إلا بحال تم التوصل لاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة.
انحسار وزيارة
في غضون ذلك، زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خط الجبهة في منطقة دونيتسك بشرق البلاد، حيث تتركز المعارك مع الجيش الروسي منذ أشهر.
وقالت الرئاسة الأوكرانية إن زيلينسكي «زار مواقع متقدمة على الجبهة في منطقة الدفاع فوجليدار- مارينكا». وأعلن زيلينسكي إنشاء عدة فرق جديدة لمشاة البحرية.
وتزامن ذلك مع إعلان مصادر أوكرانية انحسار القتال داخل وحول مدينة باخموت، التي أعلنت شركة فاغنر الخاصة السيطرة عليها السبت الماضي، وقالت إنها ستسلمها للجيش الروسي بحلول الأول من يونيو المقبل.
وقالت نائبة وزير الدفاع الأوكرانيا، هانا ماليار، أمس، إن القوات الروسية تلجأ إلى الدفاع، جزئيا. وزعمت أن القوات الأوكرانية حققت مكاسب صغيرة شمال وجنوب الجبهة التي تحوّلت إلى معركة رمزية بين كييف وموسكو. وتأتي تلك التطورات قبل هجوم واسع النطاق يتوقع أن تشنّه القوات الأوكرانية في أي وقت، ووسط تعزيزات دفاعية تقوم موسكو بنشرها على مئات الكيلومترات.
ونظراً إلى أن المعارك المرتقبة ستأتي بعد تدفّق كبير للأسلحة من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) لأوكرانيا، فإنّ نجاح أو فشل هجومها المضاد قد يقوّض الدعم المستقبلي، أو يزيد الضغط على كييف للتفاوض مع موسكو.
من جانب آخر، أكد رئيس برلمان جمهورية القرم، التي ضمتها روسيا لها عام 2014، فلاديمير كونستانتينوف، أن أصول الأوليغارشية الأوكرانية في شبه الجزيرة سيتم القضاء عليها نهائيا، مع المضيّ قُدما في تأميم ممتلكاتهم. وفي وقت سابق، قرر برلمان القرم تأميم ممتلكات عدد من الأوليغارشية الأوكرانية المرتبطين بسلطات كييف، والذين ارتكبوا أعمالا غير ودّية بحق روسيا. وقال رئيس «القرم»، سيرغي أكسيونوف، إن جميع عائدات بيع ممتلكاتهم سترصد لتلبية احتياجات المشاركين في العملية العسكرية الخاصة التي أطلقتها موسكو في فبراير 2022.
تماسك ومراجعة
من جهة ثانية، تُجري دول «الناتو» تدريبات في إستونيا، تتضمن شن هجوم محمول جوا لقوات أميركية وعملية إنزال ليلية لعناصر من مشاة البحرية البريطانية وإنزال وحدات كوماندوس من المظليين الفرنسيين، في «رسالة مبطنة» عند الخاصرة الشرقية للحلف مع روسيا. وتأتي المناورة التي يطلق عليها «العاصفة الربيعية» في وقت يعزز الحلف دفاعاته، ويعدل خططه لحماية جميع أعضائه قبل قمة مرتقبة لقادته في فيلنيوس.الى ذلك، أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 بدأ في بولندا، بعد أن أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر.
وبعد أكثر من عام من بداية الحرب التي أشعلت مواجهة بين موسكو والقوى الغربية، ذكر جهاز الاستخبارات الألماني أنه لا توجد علامات على ضعف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو وجود تصدّعات بنظامه الحاكم رغم الانتقادات العلنية داخل موسكو لطريقة إدارة المواجهة العسكرية.
مهرج شرير
في سياق آخر، وبعدما أعربت أوكرانيا عن دعمها لمخطط المغرب للحكم الذاتي في منطقة الصحراء، كأساس «جدّي وذي مصداقية من أجل التسوية الناجحة» لقضية المنطقة المتنازع عليها، وصفت جبهة البوليساريو الرئيس الأوكراني بـ «المهرج الذي يحقق الأجندة الاستعمارية الجديدة للغرب، ويدعم احتلال الصحراء».