بينما تسير مفاوضات سقف الدين الأميركي بين البيت الأبيض برئاسة الرئيس الديموقراطي جو بايدن و«الكونغرس»، وتحديداً مجلس النواب الذي يسيطر على أغلبيته الحزب الجمهوري نحو مزيد من التعقيد وحالة اللاتفاق - حتى الآن - وسط تنامي مخاطر دخول الولايات المتحدة مرحلة التخلّف عن السداد والإغلاق ووقف الإنفاق على الأنشطة الحكومية بحلول الأول من يونيو المقبل؛ الذي تصفه وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين بـ «الكارثي»، تبدو الكويت كعادتها بعيدة عن استيعاب المخاطر التي تحيط بالاقتصاد العالمي، حتى لو مسّت آثارها أسواق النفط والأصول السيادية، وكل ما يمكن أن يؤثر على واقع اقتصاد البلاد واستدامته. صحيح أنه في نهاية مطاف المفاوضات سيتم التوصل إلى اتفاق، وربما يكون الاتفاق إيجابياً للأسواق والاقتصاديات العالمية، لكن هذا حتى الآن غير وارد من ضمن المفاوضات، فالمحاور التي يناقشها الطرفان؛ الرئيس جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفين مكارثي، أشبه باللعبة الرومانية القديمة «عضّ الأصابع»، التي يخسرها مَن يصرخ أولاً، في مسعى لتحقيق انتصار طرف على آخر قبل عام ونصف العام من موعد الانتخابات الأميركية عام 2024، حيث تناولت المفاوضات قضايا شائكة تتعلق بمواقف بعضها نقاط أساسية في خلافات الحزبين الجمهوري والديموقراطي، كخفض الإنفاق، بشكل جوهري، على برامج الإنفاق الاجتماعي وليس العسكري، أو العمل على زيادة الإيرادات من خلال رفع الضريبة على الأثرياء، أو وضع قيود على البرامج الخاصة بفرص العمل الجديدة لمتلقي الرعاية الاجتماعية والتوسع في التعدين وإنتاج الوقود الأحفوري.
صدمات وتداعيات
ولا شك - كما ورد في التقرير المنشور الأسبوع الماضي - في أن فشل الاتفاق سيفضي الى صدمة بأسواق الأسهم والسندات والنفط، الى جانب تنامي الشكوك تجاه الجدارة الائتمانية للولايات المتحدة، فضلا عن ارتفاع تكاليف الاقتراض الاقتصاد الأميركي بالنسبة إلى المستهلكين والشركات، ومع ذلك، فإنّ التوصل الى اتفاق مع خفض جوهري في الانفاق، كما يضغط الجمهوريون على الرئيس بايدن لن يكون حلا بلا تكلفة على اقتصاد الولايات المتحدة أو الاقتصاد العالمي، ففي الاتفاق على شروط مشددة تتعلق بخفض الإنفاق ضريبة يدفعها النمو الاقتصادي الأميركي وسوق العمل والتبادل التجاري مع اقتصادات كبرى كالاتحاد الأوروبي والصين، وربما إذا كان اتفاق رفع سقف الدين قصيرا لمدة عام واحد، يمثّل ضغطا على الجدارة الائتمانية للنظام المصرفي الأميركي، في وقت احتبست فيه أنفاس البنوك في مختلف دول العالم من أي تداعيات محتملة لانهيار بنك سيليكون فالي (svb) في الولايات المتحدة قبل شهرين.
قدرة وفهم
ما ورد أعلاه لا قدرة لدينا في الكويت على التحكم فيه أو تغييره، لكن ما يسعنا تجاهه هو فهمه، والعمل لتلافي تداعياته السلبية، لا سيما أن الآثار المترتبة على فشل الاتفاق أو التوصل إليه وفق الشروط المشددة على النفط مصدر دخلنا الوحيد المرتبط الطلب عليه بمدى تسارُع أو تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي أو تجاه الأصول السيادية التي تمتلك الكويت منها سندات خزانة أميريكية تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار، الى جانب أصول في مكونات الصندوق السيادي بمختلف أسواق العالم التي يمكن أن تتعرّض لضغوط سقف الدَّين الأميركي، تناهز قيمتها - حسب تقديرات غير رسمية - 800 مليار دولار، فضلا عن مدخرات التأمينات الاجتماعية التي تصل قيمتها، حسب آخر إفصاح، إلى 132 مليار دولار، وبالتالي فإن تطورات سقف الدين الأميركي تمسّ مصدر ثروة البلاد وأصولها السيادية، فضلا عن مدخرات مواطنيها العاملين والمتقاعدين، إضافة إلى تأثّر البنوك المحلية وسوق المال وما يرتبط بذلك من استثمارات لمئات الآلاف من المستثمرين.
عكس المنطق
ولعلنا في الكويت، وفق سوابق كثيرة، لسنا - فقط - لا نتفاعل مع تداعيات الأزمات والمخاطر العالمية، بل نعاكسها وبتصرُّف بعكس ما يقتضيه منطق التحوط ومتطلبات الاستدامة، فبالعودة الى عام 2014، وهو الذي شهد في نهايته تحوّلا جوهريا في أسعار النفط الخام لتسجل ميزانية الكويت عجوزات متتالية لنحو 7 سنوات، فكان أن واجهت هذه العجوزات بعكس ما يتطلبه أي منطق للتحوّط والاستدامة، إذ استنفدت كامل سيولة الاحتياطي العام، البالغة 55 مليار دينار، ورفعت إنفاقها مذّاك التاريخ بنحو 27 بالمئة، وصولا الى 26.2 مليارا هذا العام، مع تنامي سعر التعادل بواقع 25 بالمئة الى 93.9 دولارا للبرميل، مع تجميد بند نسبة استقطاع 10 بالمئة من إيرادات النفط لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال القادمة المتوقف منذ 3 سنوات، بسبب ظروف المالية العامة خلال جائحة كورونا.
أزمات واستيعاب
ولم تكن الكويت خلال أزمة كورونا وما تلاها من أحداث وتداعيات من مواجهة العالم للتضخم أو تشديد البنوك المركزية للسياسات النقدية ومخاوف الركود الاقتصادي العالمي على مستوى الحدث، أو أفضل حالا من التعامل مع العجوزات، فلا استيعاب لدروس الأزمة كمخاطر العمالة الهامشية أو أهمية الشمول التكنولوجي في التعليم أو الخدمات أو التعاطي مع الاختلالات الفاضحة في ملفات الأمن الغذائي والوقائي والدوائي، ولا بيانات عن التضخم ولا سياسات واضحة في معالجته، ولا وضوح في السياسة النقدية، ولا بيان يشرح آثار الارتفاع العالمي للفائدة على الاقتصاد والعملة الوطنية والسلع... ولم يكن من الحكومات المتعاقبة سوى المبادرة بالمشاريع الشعبوية أو التسامح معها، لدرجة أنفقت خلالها حكومة واحدة ما يوازي 3 مليارات دينار لضمان بقائها، ولم تنجح حتى في هذا الهدف!
لا شك في أن مفاوضات وخلافات سقف الدّين الأميركي ليست جديدة، فقد حدثت وتكررت لنحو 18 مرة في تاريخ الولايات المتحدة، غير أننا اليوم بتنا، مع ارتفاع المصروفات وتضخّمها وأحادية الإيرادات، أكثر عرضة وحساسية تجاه أيّ تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي.
صدمات وتداعيات
ولا شك - كما ورد في التقرير المنشور الأسبوع الماضي - في أن فشل الاتفاق سيفضي الى صدمة بأسواق الأسهم والسندات والنفط، الى جانب تنامي الشكوك تجاه الجدارة الائتمانية للولايات المتحدة، فضلا عن ارتفاع تكاليف الاقتراض الاقتصاد الأميركي بالنسبة إلى المستهلكين والشركات، ومع ذلك، فإنّ التوصل الى اتفاق مع خفض جوهري في الانفاق، كما يضغط الجمهوريون على الرئيس بايدن لن يكون حلا بلا تكلفة على اقتصاد الولايات المتحدة أو الاقتصاد العالمي، ففي الاتفاق على شروط مشددة تتعلق بخفض الإنفاق ضريبة يدفعها النمو الاقتصادي الأميركي وسوق العمل والتبادل التجاري مع اقتصادات كبرى كالاتحاد الأوروبي والصين، وربما إذا كان اتفاق رفع سقف الدين قصيرا لمدة عام واحد، يمثّل ضغطا على الجدارة الائتمانية للنظام المصرفي الأميركي، في وقت احتبست فيه أنفاس البنوك في مختلف دول العالم من أي تداعيات محتملة لانهيار بنك سيليكون فالي (svb) في الولايات المتحدة قبل شهرين.
قدرة وفهم
ما ورد أعلاه لا قدرة لدينا في الكويت على التحكم فيه أو تغييره، لكن ما يسعنا تجاهه هو فهمه، والعمل لتلافي تداعياته السلبية، لا سيما أن الآثار المترتبة على فشل الاتفاق أو التوصل إليه وفق الشروط المشددة على النفط مصدر دخلنا الوحيد المرتبط الطلب عليه بمدى تسارُع أو تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي أو تجاه الأصول السيادية التي تمتلك الكويت منها سندات خزانة أميريكية تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار، الى جانب أصول في مكونات الصندوق السيادي بمختلف أسواق العالم التي يمكن أن تتعرّض لضغوط سقف الدَّين الأميركي، تناهز قيمتها - حسب تقديرات غير رسمية - 800 مليار دولار، فضلا عن مدخرات التأمينات الاجتماعية التي تصل قيمتها، حسب آخر إفصاح، إلى 132 مليار دولار، وبالتالي فإن تطورات سقف الدين الأميركي تمسّ مصدر ثروة البلاد وأصولها السيادية، فضلا عن مدخرات مواطنيها العاملين والمتقاعدين، إضافة إلى تأثّر البنوك المحلية وسوق المال وما يرتبط بذلك من استثمارات لمئات الآلاف من المستثمرين.
عكس المنطق
ولعلنا في الكويت، وفق سوابق كثيرة، لسنا - فقط - لا نتفاعل مع تداعيات الأزمات والمخاطر العالمية، بل نعاكسها وبتصرُّف بعكس ما يقتضيه منطق التحوط ومتطلبات الاستدامة، فبالعودة الى عام 2014، وهو الذي شهد في نهايته تحوّلا جوهريا في أسعار النفط الخام لتسجل ميزانية الكويت عجوزات متتالية لنحو 7 سنوات، فكان أن واجهت هذه العجوزات بعكس ما يتطلبه أي منطق للتحوّط والاستدامة، إذ استنفدت كامل سيولة الاحتياطي العام، البالغة 55 مليار دينار، ورفعت إنفاقها مذّاك التاريخ بنحو 27 بالمئة، وصولا الى 26.2 مليارا هذا العام، مع تنامي سعر التعادل بواقع 25 بالمئة الى 93.9 دولارا للبرميل، مع تجميد بند نسبة استقطاع 10 بالمئة من إيرادات النفط لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال القادمة المتوقف منذ 3 سنوات، بسبب ظروف المالية العامة خلال جائحة كورونا.
أزمات واستيعاب
ولم تكن الكويت خلال أزمة كورونا وما تلاها من أحداث وتداعيات من مواجهة العالم للتضخم أو تشديد البنوك المركزية للسياسات النقدية ومخاوف الركود الاقتصادي العالمي على مستوى الحدث، أو أفضل حالا من التعامل مع العجوزات، فلا استيعاب لدروس الأزمة كمخاطر العمالة الهامشية أو أهمية الشمول التكنولوجي في التعليم أو الخدمات أو التعاطي مع الاختلالات الفاضحة في ملفات الأمن الغذائي والوقائي والدوائي، ولا بيانات عن التضخم ولا سياسات واضحة في معالجته، ولا وضوح في السياسة النقدية، ولا بيان يشرح آثار الارتفاع العالمي للفائدة على الاقتصاد والعملة الوطنية والسلع... ولم يكن من الحكومات المتعاقبة سوى المبادرة بالمشاريع الشعبوية أو التسامح معها، لدرجة أنفقت خلالها حكومة واحدة ما يوازي 3 مليارات دينار لضمان بقائها، ولم تنجح حتى في هذا الهدف!
لا شك في أن مفاوضات وخلافات سقف الدّين الأميركي ليست جديدة، فقد حدثت وتكررت لنحو 18 مرة في تاريخ الولايات المتحدة، غير أننا اليوم بتنا، مع ارتفاع المصروفات وتضخّمها وأحادية الإيرادات، أكثر عرضة وحساسية تجاه أيّ تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي.