«الشال»: الدولار قد يفقد هيمنته... والقلق الكويتي مشروع

• أغلبية استثماراتنا وحصيلة النقد الأجنبي من صادرات النفط بالعملة الأميركية
• المطلوب دراسة متعمقة وخطوات مرحلية لخفض المخاطر المتوقعة
• استمرار هدر أميركا لمواردها بتمويل الحروب في مقابل تقدم الآخرين يعجّل بزوال سيطرة الدولار
• أفول القوى العظمى يبدأ في الغالب الأعم من حدة الانقسام والتنافر بين مكوناتها الداخلية
• الولايات المتحدة بالغت في طباعة الدولار حتى بلغ دينها العام حالياً 130% من حجم اقتصادها
• تجارب الماضي ومعطيات الواقع ترجحان أن زوال هيمنة الدولار يحتاج إلى أكثر من عقد على أقل تقدير

نشر في 28-05-2023
آخر تحديث 27-05-2023 | 21:03
الدولار الأميركي
الدولار الأميركي
قد يحدث أن يفقد الدولار دوره المهيمن، ولكن تجارب الماضي ومعطيات الواقع ترجح أن ذلك لن يتحقق على المدى المنظور، فالأمر يحتاج إلى أكثر من عقد من الزمن، على أقل تقدير، حتى تبدأ عملة أخرى أو أكثر مزاحمته على موقع القيادة.

ذكر تقرير الشال الاقتصادي أن الحديث حالياً يكثر عن احتمال فقدان الدولار الأميركي لدوره كعملة الاحتياط النقدي العالمي، ولأن حصيلة النقد الأجنبي من صادرات النفط وأغلبية استثمارات الكويت بالدولار، يبقى القلق أو التخوف من تحققه أمرا مشروعا، ولنا اجتهاد حوله، ونرغب في مشاركته الآخرين دون الجزم بصوابه.

فاحتمال فقدان الدولار الأميركي لدوره المهيمن قد يحدث، ولكن تجارب الماضي ومعطيات الواقع ترجح أن ذلك لن يتحقق على المدى المنظور، فالأمر يحتاج إلى أكثر من عقد من الزمن على أقل تقدير حتى تبدأ عملة أخرى أو أكثر بمزاحمته على موقع القيادة.

في آخر تجارب التاريخ القريب، احتاج الأمر إلى عقود، خلالها حدثت حربان كارثيتان كانت بريطانيا طرفاً رئيسياً فيهما، حتى تمكن الدولار الأميركي من إزاحة الجنيه الإسترليني عن موقعه، فقبل الحرب الكونية الأولى، كانت الولايات المتحدة الأميركية مدينة لبريطانيا بنحو 3 مليارات دولار أميركي، وحدث العكس تماماً بعد انتهائها.

وحاول «تشرشل» ربط الجنيه الإسترليني بالذهب بدءاً من عام 1922، ولكن تكاليف إصلاح الدمار واقتصاد بريطانيا العظمى الواهن مقابل اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية اليافع والحديث، اضطره في عام 1931، أي بعد الكساد العظيم، أو بعد تبنيه لمدة عشر سنوات، إلى فك ارتباط الجنيه الإسترليني بالذهب.

ثم جاءت الحرب الكونية العظمى الثانية التي دمرت أوروبا، لتقر بريطانيا باستسلامها لسيادة الدولار الأميركي بعد ربطه واستبداله بوزن ثابت للذهب – بريتون وودز – وبدعم من اقتصاد بلغ حجمه حينها نحو ثلث الاقتصاد العالمي، وتسانده قوة عسكرية عظمى.

وتحقق ذلك التحول بعد عقود من الزمن، سارع في خسارة الجنيه الإسترليني انشغال أوروبا بالهدم من واقع حروبها القومية المدمرة، وسارع برواج الدولار الأميركي انشغال الولايات المتحدة في توظيف مواردها في أضخم عملية بناء اقتصادي خلال تلك الحقبة.

وما حدث بعدها من تكرار الولايات المتحدة لخطايا أوروبا عندما خاضت نحو 13 حربا ساخنة منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، إضافة إلى نحو 45 عاما من الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي وحالياً مع الصين، واحدة من تكاليفها كان اضطرارها في أغسطس 1971 إلى فك ارتباط الدولار الأميركي بالذهب إبان التوسع في طباعة الدولار لتمويل حرب فيتنام، ولتمويل بقية الحروب، ولمواجهة أزماتها الاقتصادية، بالغت حتى هذه الساعة في طباعة الدولار حتى بلغ دينها العام حالياً نحو 130 في المئة من حجم اقتصادها.

ويحدثنا التاريخ أن أفول القوى العظمى يبدأ في الغالب الأعم من حدة الانقسام والتنافر بين مكوناتها الداخلية، وعجز الحزبين حالياً عن بلوغ توافق على رفع سقف الدين، وسوف يتم التوافق، هو مجرد مؤشر واحد فقط على حدة الاستقطابات، وغزوة أنصار الرئيس ترامب لمبنى الكونغرس في 6 يناير 2021 مثال آخر.

وبينما أغلبية نماذج سقوط القوى العظمى على مر التاريخ تحققت بالحروب، سيطول هذه المرة استمرار زمن هيمنة الدولار الأميركي لأن الأفول لن يتحقق إلا بالتفوق الاقتصادي نتيجة تكرار تجربة النهوض الاقتصادي الصينية منذ بداية ثمانينيات القرن الفائت لتجربة النهوض الاقتصادي الأميركية في النصف الأول من القرن الفائت.

والدولار حالياً يمثل أقل قليلاً من 60 في المئة من رصيد احتياط عملات العالم الأخرى، بينما يتشارك الذهب وكل العملات الرئيسية الأخرى فيما تبقى، ذلك التفوق الشاسع يعني أن الوقت لا يزال طويلاً حتى يفقد الدولار مركزه المسيطر، ولا نعتقد أن أحداً يعرف ذلك المدى الزمني.

ولكن، بالعودة إلى تجربة الجنيه الإسترليني والدولار الأميركي منذ بدايات القرن الفائت، نعرف أن هناك عاملين قد يمددان أو يختصران ذلك الوقت، وهما استمرار انشغال الولايات المتحدة في هدر مواردها في تمويل الحروب، إضافة إلى تداعيات حدة انقساماتها الداخلية، والنقيض، أي سرعة تقدم الآخرين في عمليات البناء.

لذلك، نحن نكرر اجتهادنا بأن القلق حول وضع الدولار الأميركي أمر مشروع في بلد مثل الكويت، ولكنه لا يتطلب إجراءات عاجلة، ويحتاج التحوط له إلى تعمق في دراسة ذلك الوضع، ثم تبني خطوات مرحلية لخفض مخاطره، إن وجدت، ووفق ما تخلص إليه الدراسة.

back to top