ألقى النظام الفاشي لموسوليني بظلاله على استضافة إيطاليا النسخة الثانية من كأس العالم لكرة القدم عام 1934، مع توتر الوضع السياسي في أوروبا، تُوّج المضيف مرّة ثانية توالياً، وسقطت هالة فريق «المعجزات» النمساوي، فيما عاد ممثلو أميركا الجنوبية باكراً بخُفّي حُنَين.

للمرّة الأولى أجريت تصفيات لحسم هوية المتأهلين الـ 16، فخاضوا مباريات في 8 مدن بدلا من واحدة في 1930، نُقلت مباشرة عبر الإذاعة في 12 من الدول المشاركة.

ومثلما حصل في الأوروغواي، احتضن أصحاب الأرض الكأس، عندما سجّل رايموندو أورسي وأنجيلو سكيافيو هدفي الفوز لتشكيلة المدرب التاريخي فيتوريو بوتسو، على حساب تشيكوسلوفاكيا 2-1 بعد التمديد في نهائي روما. اكتفى التشيكوسلوفاكيون الذين تخطوا ألمانيا 3-1 في نصف النهائي، بالوصافة ولقب الهداف لأولدريتش نييدلي المكنّى «كريستال بوهيميا» بخمس محاولات ناجحة.
Ad


بعد نجاح النسخة الأولى، شارك 32 منتخباً في التصفيات، فاضطرت إيطاليا لتجاوز اليونان كي تخوض البطولة على أرضها. لكن الأوروغواي لم تدافع عن لقبها، رداً على رفض إيطاليا المشاركة في 1930. ومع خروج البرازيل والأرجنتين المشاركين بتشكيلتين رديفتين اثر مباراة يتيمة، كانت غلة الأميركيين الجنوبيين متواضعة.

بين 27 مايو و10 يونيو 1934، شارك 12 منتخباً أوروبياً ومنتخبان من أميركا الجنوبية وواحد من أميركا الشمالية، وواحد من افريقيا.

المعجزات وسينديلار

كانت مصر أوّل دولة إفريقية وعربية تشارك في النهائيات، وقد خسرت أمام المجر 2-4 بهدفي عبدالرحمن فوزي، لتُقصي مبكراً مع اعتماد نظام خروج المغلوب.

لم تكن طريق إيطاليا مفروشة بالورود، فمع اعتماد نظام إعادة المباراة بحال التعادل بعد 120 دقيقة، خاضت 210 دقائق في أقل من 24 ساعة بغية تخطي إسبانيا في ربع نهائي قوي (1-1 ثم 1-صفر).

وبعد هيمنته على 24 خصماً بين 1928 و1933، سقط منتخب النمسا المكنّى «فريق المعجزات» (فوندر تيم) أمام إيطاليا بهدف وحيد في نصف النهائي في ميلانو، فيما تخطت تشيكوسلوفاكيا ألمانيا 3-1. بعض لاعبي النمسا تمّ تجنيدهم مع منتخب ألمانيا بعد 1938 عندما قرّر هتلر ضمّ البلاد.

وقبل فوزها على فرنسا 3-2 في ثمن النهائي، طلب مدرب فرنسا من لاعبيه مراقبة الهداف الخارق ماتياس سينديلار «إذا ذهب سينديلار الى المرحاض الحقوه الى هناك». وقد توفي هذا الأخير بظروف غامضة عام 1939 عن 35 عاماً بعد رفضه اللعب مع ألمانيا النازية.

من تجارة الثياب إلى المجد

خضعت إيطاليا آنذاك للنظام الفاشي بقيادة الزعيم بينيتو موسوليني الذي تسلم الحكم عام 1922، وكانت فرصة له للدعاية للفاشية والتمجيد لها.

تواجه الـ«أتزوري» بقيادة نجميه جوزيبي مياتسا وأنجيلو سكيافيو وبمشاركة سبعة لاعبين مولودين خارج البلاد، في النهائي مع تشيكوسلوفاكيا أمام 55 ألف متفرّج يتقدّمهم موسوليني.

تقدّم الضيوف بهدف الجناح أنتونين بوتش (69)، فخيّم صمت مطبق على الملعب، لكن «مومو» أورسي الذي حمل ألوان الأرجنتين سابقاً اعاد الأمور الى نصابها فارضاً التمديد في وقت متأخر (81). وبعد 5 دقائق على الشوط الاول الإضافي، أطلق «أنجولينو» سكيافيو رصاصة الرحمة في مرمى المنتخب التشيكي لينفجر الملعب فرحاً.

سكيافيو الذي عمل في تجارة الثياب مع اشقائه بعد وفاة والده عندما كان بعمر الثانية عشرة، ثم خاض كامل مسيرته مع بولونيا على مدى 16 عاماً برغم مطاردة يوفنتوس وإنتر، كشف لاحقاً «بعد النهائي اتصل رئيس إنتر وقال لي (أعرف انه لديك ثلاثة متاجر في بولونيا. احتسب مساحتها وسأقدّم لك متجراً بحجمها في غاليريا ميلانو). اجبته بتهذيب (هنا في بولونيا أعمل مع عائلتي والعب مع فريقي. لا يمكن للمال منافسة ذلك)».

مونتي الأرجنتيني الإيطالي

مباراة نهائية بدرجة حرارة ناهزت الأربعين، شارك فيها لاعب الوسط الإيطالي لويس مونتي، بعد أربع سنوات من خسارته النهائي، انما مع الأرجنتين في حادثة فريدة! وبعدما وصف سكيافيو مونتي بالـ»مجرم» بسبب العنف بينهما خلال مواجهات بولونيا ويوفنتوس، سحب المدرب المحنّك بوتسو فتيل الكره المتبادل، عندما وضعهما في غرفة واحدة لمدة شهرين قبل النهائيات.

بوتسو الصحافي السابق المكنّى المايسترو العجوز (إيل فيكيو مايسترو)، اقنع حارساً عجوزاً بتأجيل اعتزاله، وعاطلاً عن العمل يشرب بكثرة لمبادلة الويسكي والبوكر بأكثر أنظمة اللياقة البدنية صرامة.

ودخل حانة في روما يبحث عن لاعب الوسط العنيف أتيليو فيراريس، بعد طرده من نادي العاصمة لأسباب انضباطية، قائلاً له «اترك سجائرك، مشروبك وعصا البلياردو فوراً، تعال معي ولديك فرصة اللعب في كأس العالم». عاد فيراريس إلى تشكيلة المنتخب وأصبح «الأفضل لياقة» بين زملائه حسب بوتسو.