الأسوار المُخفاة في حياة الأشخاص العاديين تحفزك للسؤال عنها، فما بالك عندما يتعلق الأمر بالأمراء وأميرات الأسرة العلوية في مصر؟ هذا ما وجدته في كتاب الباحثة في التاريخ والإعلامية سهير عبدالحميد وكتابها «سلسال الباشا».

كنت مذهولاً من كم المعلومات التي كانت مخفاة أو محجوبة عن الرأي العام لتاريخ أسرة محمد علي باشا، وشعرت بالخوف ممن تناول كتابة تاريخ مصر متعمداً الإساءة للأمراء وأميرات الأسرة، وتساءلت في نفسي هل هذا النمط من التاريخ يقتصر فقط على مصر أم أن تاريخنا السياسي العربي يتماثل من حيث «التوجيه» و«التشويه» ليقدم إلينا «تاريخ حكام» مرسوماً بعناية، بحيث يظهرون المساوئ لمن سبقهم وينعتونهم بأبشع الأوصاف، ثم يغدقون على أنفسهم صفات البطولة والوطنية؟

Ad

سردتْ الإعلامية المصرية حياة 33 أميرة ونبيلة وكذلك 26 أميراً وبرنساً ونبيلاً ووجيهاً من أبناء الأسرة العلوية، والألقاب عادة تمنح بأوامر ومراسيم تحدد فيها من يستحق أن تطلق عليه التسمية.

في الشرح ما يكفي من دلالات لمعرفة مضمون الكتاب، ومع قصة كل أميرة أو أمير هناك روايات وأحاديث وتصحيح لما هو شائع، حقاً متعة بالقراءة تأخذك إلى عوالم القصور و«الحريم» الذين ذاع صيتهم عند الشعب والرحالة كذلك.

لنقرأ مطالعة الباحثة سهير عبدالحميد لكتابها الخامس، ففيه ما تود أن تتعرف على دوافعها. «تعرّض تاريخ الأسرة العلوية منذ انتهاء حكمها في مصر فعلياً بإقصاء الملك فاروق وتولي ولي عهده الأمير أحمد فؤاد في 26 يوليو 1952، إما للتشويه أو التسطيح، فالخديوي سعيد منح ديليسبس امتياز حفر قناة السويس بطبق معكرونة، وفاروق زير نساء، ومحمد علي أجنبي فعل لمصر ما فعله من أجل مجده الخاص، بل انتقص البعض من دوره في بناء مصر الحديثة، ونسبوه ظلماً إلى الحملة الفرنسية، وقالوا إنها حداثة أثمرتها صدمة اللقاء بين النبُّوت والمدفع، وهو ادعاء يجافي المنطق، فلا حداثة تأتي على أسنة بنادق المحتل!

أما أمراء الأسرة العلوية، فتم تصويرهم على أنهم «عاطلون بالوراثة» يرتادون ساحات سباق الخيل نهاراً وصالات القمار ليلاً، وأقصى نشاط يقوم به أحدهم هو أن يتثاءب، والأميرات مدللات تافهات لم يعرفن إلا حياة القصور وملمس الحرير ومذاق التبغ ورائحة العطور.

لقد تعرضت الأسرة العلوية عقب حركة 23 يوليو 1952 إلى حملة تشويه ممنهجة مارسها «ترزية التاريخ» الذين تملقوا للساسة الجدد، فألصقوا كل نقيصة بما أسموه «العهد البائد»، وأنكروا عليه كل مآثره، وكما صودرت ممتلكات أبناء الأسرة بما فيها حتى ألبومات صورهم الخاصة، صودرت أسماؤهم من كتب التاريخ، فجهل جيلنا أن وراء بناء جامعة القاهرة أميرة تدعى فاطمة إسماعيل، وأن صاحب الفضل في وجود كلية الفنون الجميلة هو البرنس يوسف كمال، لم يقل لنا أحد إن النبيل عباس حليم فقد لقبه من أجل مؤازرته حقوق العمال، وأميراً مثل عزيز حسن تم نفيه من الإنكليز بسبب مواقفه الوطنية.

قالوا لنا إنهم غرباء جاؤوا من بلاد بعيدة لاستنزاف أموالنا وثرواتنا، ولم يخبرنا أحد أن أولئك الغرباء اهتموا بالثقافة العربية الإسلامية والهوية الوطنية المصرية، فترك الأمير محمد علي قصره بالمنيل كمتحف مفتوح لأبناء الشعب المصري، وأسست أمينة إلهامي مدرسة متخصصة للحفاظ على الحرف اليدوية التراثية، تخرج فيها الأسطوات المهرة في كل المجالات. لم يتطرق أحد إلى الحديث عن الأوقاف الخيرية التي أنشأتها نساء الأسرة العلوية من مدارس وأسبلة وكتاتيب خدمة للمجتمع، وأن أميرة تدعى «عين الحياة» أنشأت مبرة خيرية باسم جدها «محمد علي» لعلاج النساء والأطفال، تناوبت أميرات الأسرة على رئاستها. إشكالية بائسة عند من يقرأ التاريخ، إما ملائكة وقديسون، وإما فاسدون وليس في سجلهم أي فضيلة؟