صِدام الصين القادم مع الواقع الاقتصادي
تُشير السنوات الثلاث الماضية إلى أنه من غير المرجح أن تحقق الصين رغبتها في مضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035 مقارنة بمستوى عام 2020، ما لم تعد النظر في سياساتها الحالية.
وفقًا للتقارير الواردة من المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، يقوم شي جين بينغ، الذي تم تنصيبه مؤخرا رئيسا لولاية ثالثة غير مسبوقة، بإحكام قبضته السياسية وتعزيز سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على المجتمع، هل يمكن أن تستمر التنمية الاقتصادية الناجحة في هذه البيئة؟
لقد كنت أفكر منذ عدة أشهر أنني سأستيقظ ذات يوم لأقرأ أخباراً حول قيام الصين بإعادة النظر في إستراتجية صفر كوفيد الخاصة بها، مما يُغير تماما طريقة تفاعل الحزب الشيوعي الصيني مع الشركات المحلية الخاصة، فضلاً عن إصلاح نظام هوكو لتصاريح الإقامة في البلاد، وإعادة التفكير في بعض الجوانب الرئيسة لمبادرة الحزام والطريق وموقفها التكتيكي الأخير بشأن الحوكمة الدولية، قد نضطر إلى الانتظار طويلاً لحين حدوث ذلك.
وفي اجتماع مع أحد كبار المسؤولين الصينيين قبل بضعة أشهر، قلت مازحا إن فهمي للصين لأكثر من ثلاثين عاما قد يكون مجرد مصادفة، حيث لم أستطع فهم بعض السياسات التي اعتمدتها البلاد في السنوات الأخيرة، حيث تتمثل الطريقة الوحيدة التي يمكنني من خلالها تبرير هذه السياسات في استنتاج أنها يجب أن تكون جزءا من مناورة تكتيكية لتحييد الفصائل داخل المستويات العليا للحزب الشيوعي الصيني قبل المؤتمر الوطني للحزب، وإذا حكمنا من خلال انتخاب زعيم جديد لمساعدة شي، فمن المؤكد أن يكون هناك المزيد من عمليات التطهير للمعارضين، ودلائل قليلة جدا تُشير إلى سحب السياسات التي تم تقديمها في السنوات الأخيرة.
ما لم تُسفر الأيام والأسابيع التي أعقبت المؤتمر عن تغيير فعلي، فإنني أتوقع ظهور معضلات متزايدة أمام الرئيس شي والحزب الشيوعى الصيني.
ونتيجة لذلك، افترض البعض أن البلدان ستحقق معدل إنتاجيتها المحتمل على المدى الطويل، لأن نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني سيتباطأ مع بلوغ نمو القوى العاملة ذروته، مما يعني ضمنًا أن معظم نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5 إلى 5 في المئة الذي افترضناه سيعكس مكاسب الإنتاجية، حيث يتوافق معدل النمو هذا مع متطلبات الصين المُعلنة ورغبتها في مضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035 مقارنة بمستوى عام 2020.
ومع ذلك، تُشير السنوات الثلاث الماضية إلى أنه من غير المرجح أن تحقق الصين هذا الهدف ما لم تعد النظر في سياساتها الحالية، وتشير جميع الأدلة العلمية تقريبا إلى أنه من المستحيل القضاء على فيروس كوفيد19، وتتمثل الطريقة الوحيدة المعقولة لإدارته في اللقاحات التي أثبتت جدواها. يُعد خوف القادة الصينيين من أن التخلي عن سياسة صفر كوفيد قد يكتسح النظام الصحي ويتسبب في ارتفاع معدل الوفيات أمرا مفهوما، لكن هذه السياسة تتعارض تماما مع المسار نحو تحقيق هدف عام 2035. لقد كان واضحًا لبعض الوقت أن الصين لا يمكنها تحقيق هدفها إلا إذا أصبح المستهلكون الصينيون جزءا أساسيا من نموذج النمو في البلاد، إذ تجعل عمليات الإغلاق المُستمرة هذا الأمر شبه مستحيل.
لقد حان الوقت بلا شك لاستيراد أفضل اللقاحات الغربية وتغيير المسار، ومن بين المزايا الأخرى، من شأن هذه الخطوة أن تُرسل إشارة قوية إلى بقية بلدان العالم مفادها أن الصين ترغب في الانفتاح من جديد، وفي مثل هذا السيناريو، قد يكون هناك انعكاس للفصل الاقتصادي المستمر بين الصين والدول الغربية، فضلاً عن الصعوبات المتزايدة المحيطة بمعظم هيئات الحوكمة العالمية، مثل مجموعة العشرين ومنظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
لا يُعتبر فيروس كوفيد19 المجال السياسي الوحيد الذي يحتاج إلى إصلاح عاجل، وعلى وجه الخصوص، يجب على السلطات معالجة علامات الحلقة المفرغة التي تضعف بشكل متزايد سوق الإسكان وصناعة البناء، فضلاً عن فشل توقيع الرئيس شي لمبادرة الحزام والطريق.
آمل أن تُفسر هذه الكلمات على أنها انتقادات بناءة من شخص رأى إمكانيات الصين منذ أكثر من ثلاثين عامًا وتخيل عالماً يمكن أن تصبح فيه أكبر اقتصاد، وفي ذلك الوقت، اعتقدتُ أن هذا من شأنه أن يفيد ليس الصين فحسب، خاصة مواطنيها، بل العالم أيضا.
نشر المكتب الوطني الأميركي للبحوث الاقتصادية (NBER) هذا الشهر دراسة بعنوان «مستقبل القوة الاقتصادية العالمية» تتطلع إلى عام 2100، تتبع هذه الدراسة إطارا تحليليا مشابها جدا للإطار الذي اعتمدناه في تحليلنا لمجموعة بريكس، ولا يزال السيناريو الرئيسي يخلص إلى أن الصين ستصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول نهاية القرن، وستحتل الهند، وهي دولة أخرى من مجموعة بريكس، المرتبة الثانية، لكن هناك سيناريوهان آخران يحملان مسارات أقل إيجابية لنمو الإنتاجية، أحدهما ستصبح فيه الهند، لا الصين، أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2100، وفي السيناريو الثاني، تفشل الإنتاجية في تحقيق مسار العقود الثلاثة الماضية، كما حدث في السنوات الأخيرة، كما تعرف حصة الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تراجعا ملحوظا.
لا يسع المرء إلا أن يأمل أن يأخذ المحيط الذي يختاره شي في السنوات القادمة تقرير المكتب الوطني الأميركي للبحوث الاقتصادية على محمل الجد.
* الرئيس السابق لبنك غولدمان ساكس لإدارة الأصول ووزير الخزانة البريطاني السابق، وعضو في لجنة عموم أوروبا للصحة والتنمية المستدامة.
* جيم أونيل
لقد كنت أفكر منذ عدة أشهر أنني سأستيقظ ذات يوم لأقرأ أخباراً حول قيام الصين بإعادة النظر في إستراتجية صفر كوفيد الخاصة بها، مما يُغير تماما طريقة تفاعل الحزب الشيوعي الصيني مع الشركات المحلية الخاصة، فضلاً عن إصلاح نظام هوكو لتصاريح الإقامة في البلاد، وإعادة التفكير في بعض الجوانب الرئيسة لمبادرة الحزام والطريق وموقفها التكتيكي الأخير بشأن الحوكمة الدولية، قد نضطر إلى الانتظار طويلاً لحين حدوث ذلك.
وفي اجتماع مع أحد كبار المسؤولين الصينيين قبل بضعة أشهر، قلت مازحا إن فهمي للصين لأكثر من ثلاثين عاما قد يكون مجرد مصادفة، حيث لم أستطع فهم بعض السياسات التي اعتمدتها البلاد في السنوات الأخيرة، حيث تتمثل الطريقة الوحيدة التي يمكنني من خلالها تبرير هذه السياسات في استنتاج أنها يجب أن تكون جزءا من مناورة تكتيكية لتحييد الفصائل داخل المستويات العليا للحزب الشيوعي الصيني قبل المؤتمر الوطني للحزب، وإذا حكمنا من خلال انتخاب زعيم جديد لمساعدة شي، فمن المؤكد أن يكون هناك المزيد من عمليات التطهير للمعارضين، ودلائل قليلة جدا تُشير إلى سحب السياسات التي تم تقديمها في السنوات الأخيرة.
ما لم تُسفر الأيام والأسابيع التي أعقبت المؤتمر عن تغيير فعلي، فإنني أتوقع ظهور معضلات متزايدة أمام الرئيس شي والحزب الشيوعى الصيني.
في تحليل دول مجموعة «البريكس» (الصعود المزعوم للبرازيل وروسيا والهند والصين) الذي أجريته أنا وزملائي آنذاك منذ جيل مضى، كان من المفترض أن يكون العقد 2021-2030 هو الوقت الذي يكون فيه اقتصاد الصين قريبا شكليا من اقتصاد الولايات المتحدة، ولهذا السبب قد تستمر اقتصادات مجموعة بريكس مجتمعة في العقد المقبل لتصبح أكبر حجما من مجموعة السبع، وهو ما سيمثل بطبيعة الحال تغييرا هائلاً في النظام العالمي الحديث.السيناريو الرئيس يخلُص إلى أن الصين ستصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول نهاية القرن
ونتيجة لذلك، افترض البعض أن البلدان ستحقق معدل إنتاجيتها المحتمل على المدى الطويل، لأن نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني سيتباطأ مع بلوغ نمو القوى العاملة ذروته، مما يعني ضمنًا أن معظم نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5 إلى 5 في المئة الذي افترضناه سيعكس مكاسب الإنتاجية، حيث يتوافق معدل النمو هذا مع متطلبات الصين المُعلنة ورغبتها في مضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035 مقارنة بمستوى عام 2020.
ومع ذلك، تُشير السنوات الثلاث الماضية إلى أنه من غير المرجح أن تحقق الصين هذا الهدف ما لم تعد النظر في سياساتها الحالية، وتشير جميع الأدلة العلمية تقريبا إلى أنه من المستحيل القضاء على فيروس كوفيد19، وتتمثل الطريقة الوحيدة المعقولة لإدارته في اللقاحات التي أثبتت جدواها. يُعد خوف القادة الصينيين من أن التخلي عن سياسة صفر كوفيد قد يكتسح النظام الصحي ويتسبب في ارتفاع معدل الوفيات أمرا مفهوما، لكن هذه السياسة تتعارض تماما مع المسار نحو تحقيق هدف عام 2035. لقد كان واضحًا لبعض الوقت أن الصين لا يمكنها تحقيق هدفها إلا إذا أصبح المستهلكون الصينيون جزءا أساسيا من نموذج النمو في البلاد، إذ تجعل عمليات الإغلاق المُستمرة هذا الأمر شبه مستحيل.
لقد حان الوقت بلا شك لاستيراد أفضل اللقاحات الغربية وتغيير المسار، ومن بين المزايا الأخرى، من شأن هذه الخطوة أن تُرسل إشارة قوية إلى بقية بلدان العالم مفادها أن الصين ترغب في الانفتاح من جديد، وفي مثل هذا السيناريو، قد يكون هناك انعكاس للفصل الاقتصادي المستمر بين الصين والدول الغربية، فضلاً عن الصعوبات المتزايدة المحيطة بمعظم هيئات الحوكمة العالمية، مثل مجموعة العشرين ومنظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
لا يُعتبر فيروس كوفيد19 المجال السياسي الوحيد الذي يحتاج إلى إصلاح عاجل، وعلى وجه الخصوص، يجب على السلطات معالجة علامات الحلقة المفرغة التي تضعف بشكل متزايد سوق الإسكان وصناعة البناء، فضلاً عن فشل توقيع الرئيس شي لمبادرة الحزام والطريق.
آمل أن تُفسر هذه الكلمات على أنها انتقادات بناءة من شخص رأى إمكانيات الصين منذ أكثر من ثلاثين عامًا وتخيل عالماً يمكن أن تصبح فيه أكبر اقتصاد، وفي ذلك الوقت، اعتقدتُ أن هذا من شأنه أن يفيد ليس الصين فحسب، خاصة مواطنيها، بل العالم أيضا.
نشر المكتب الوطني الأميركي للبحوث الاقتصادية (NBER) هذا الشهر دراسة بعنوان «مستقبل القوة الاقتصادية العالمية» تتطلع إلى عام 2100، تتبع هذه الدراسة إطارا تحليليا مشابها جدا للإطار الذي اعتمدناه في تحليلنا لمجموعة بريكس، ولا يزال السيناريو الرئيسي يخلص إلى أن الصين ستصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول نهاية القرن، وستحتل الهند، وهي دولة أخرى من مجموعة بريكس، المرتبة الثانية، لكن هناك سيناريوهان آخران يحملان مسارات أقل إيجابية لنمو الإنتاجية، أحدهما ستصبح فيه الهند، لا الصين، أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2100، وفي السيناريو الثاني، تفشل الإنتاجية في تحقيق مسار العقود الثلاثة الماضية، كما حدث في السنوات الأخيرة، كما تعرف حصة الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تراجعا ملحوظا.
لا يسع المرء إلا أن يأمل أن يأخذ المحيط الذي يختاره شي في السنوات القادمة تقرير المكتب الوطني الأميركي للبحوث الاقتصادية على محمل الجد.
* الرئيس السابق لبنك غولدمان ساكس لإدارة الأصول ووزير الخزانة البريطاني السابق، وعضو في لجنة عموم أوروبا للصحة والتنمية المستدامة.
* جيم أونيل