نظّم الكتاب الثاني عشر من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 7 لسنة 2010 قواعد إدراج أسهم الشركات المساهمة في البورصة، وفصّلت بموجبه شروط الإدراج، وحالات الإلغاء من قبل الهيئة، كذلك شروط وإجراءات الانسحاب الاختياري.
ويعد قرار الانسحاب الاختياري من البورصة كقرار الإدراج، فهو شأن خاص بالمساهمين في الشركة وتترجم رغبتهم بالانسحاب من خلال الجمعية العامة للشركة، إلا أنّ تنفيذ هذه الرغبة مشروط بموافقة هيئة أسواق المال. وقد منحت اللائحة التنفيذية الحق للهيئة برفض طلب الانسحاب الاختياري من دون تحديد حالات الرفض أو الأسباب الموجبة للرفض، تاركةً للهيئة ممارسته وفقاً لسلطتها التقديرية، كسلطة تعلو على مشيئة الجمعية العامة للشركة.
وعلى الرغم من الشروط الصارمة للانسحاب الاختياري والمحددة في الفصل الثاني من الكتاب الثاني عشر في المادة 2-5-1، ومن جملتها اشتراط موافقة المساهمين من خلال الجمعية العامة غير العادية على قرار الانسحاب، فإنّ توافرها ليس مستحيلاً.
ويذكر أنّه يتبيّن من مراجعة القرارات الصادرة عن مجلس مفوضي هيئة أسواق المال صدور أكثر من 13 قراراً بشأن إلغاء إدراج أسهم شركات متفرقة دون صدور أي موافقة على الانسحاب الاختياري من البورصة لأية شركة مدرجة حتى تاريخه.
وهنا يطرح التساؤل عن سبب عدم موافقة هيئة أسواق المال على أي طلب انسحاب اختياري، فهناك عدد من الشركات التي سبق أن قررت الانسحاب من البورصة للتخلّص من الخضوع لضوابط الهيئة، والتي أصحبت تمثّل عبئاً ثقيلاً عليها، فما هو الحل في ظل رفض الهيئة منح الموافقة على الانسحاب الاختياري؟ وما الحل في ظل التعارض بين السلطة العليا في الشركة، أي الجمعية العامة للمساهمين، وبين هيئة أسواق المال؟
إن الهدف من إنشاء هيئة أسواق المال هو تنظيم ومراقبة أنشطة الأوراق المالية، وتحقيق مبدأ الشفافية والعدالة والكفاءة وتوفير برامج توعية عن أنشطة الأوراق المالية، وإلزام الشركات المدرجة بتنفيذ مبادئ حوكمة الشركات، وحماية المستثمرين وصغار المساهمين من الممارسات غير العادلة والمخالفة للقانون.
لذا نجد أن الهيئة في أغلب قراراتها، وبالأخص في طلبات الانسحاب الاختياري، أنها تعلل رفضها بحماية حقوق الأقلية تارة وحماية السوق تارة أخرى. إلا اننا نرى أن تمسّك الهيئة بحجب الموافقة على الانسحاب الاختياري بحجة صون حقوق الأقلية يجعل قرار الأغلبية المطلقة هو والعدم سواء.
وبالعودة إلى بنود الكتاب الثاني عشر من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 7 لسنة 2010، الفصل 2 المادة 2-4-1، يتبيّن أنه يجوز للهيئة إصدار قرار بإلغاء إدراج أسهم الشركة المساهمة المدرجة في البورصة لأسباب محددة، من بينها في حال رأت الهيئة أن إلغاء الإدراج ضروري لحماية المساهمين أو لتنظيم السوق. وعند مراجعة قرارات الإلغاء الصادرة عن الهيئة، نجدها قد ارتكزت في معظم قراراتها على البند 8، أي لحماية المستثمرين، الأمر الذي يوحي وجود ازدواجية، حيث إن الهيئة تستند إلى السبب نفسه تارة للإلغاء من نفسها، وأخرى لحجب الموافقة على الانسحاب الاختياري دون تفصيل لمعنى حماية المستثمرين.
وأمام هذا النهج المتبع من هيئة أسواق المال والواضح من قراراتها، والذي يمنع الإدارة التنفيذية في الشركات من تنفيذ رغبات مساهميها وقرارات الجمعيات العامة، لم تترك الهيئة حلاً لدى الشركات سوى التّمرد على لوائحها وقراراتها، وذلك بالامتناع عن الالتزام بتنفيذ لوائح الهيئة ليتم الغاء إدراج الشركة من البورصة.
ومن حيث الواقع فإننا نرى أن معظم المخالفات التي لم يتم تصحيحها، والتي أدت الى إصدار الهيئة قرارات بإلغاء إدراج أسهم شركات هي مخالفات قابلة للتصحيح أو التفادي، وهذا مؤشر على تعمّد الشركات بعدم تصحيحها أو تفاديها، تحقيقاً لإرادة الشركة الفعلية في الانسحاب من البورصة. ومن أمثلة هذه المخالفات عدم تقديم البيانات المالية للهيئة خلال المهل المحددة لذلك، وعدم تسديد الاشتراك السنوي.
فهل الحل الفعلي هو التّمرد على قرارات هيئة أسواق المال؟ ماذا ولو قررت الجمعية العامة الانسحاب الاختياري والتوقف عن اتباع الإجراءات المطلوبة من الهيئة؟
ونحن نقترح أن يكون هناك تعديل على اللائحة التنفيذية لقانون هيئة أسواق المال، حيث تتضمن تحديداً واضحاً ودقيقاً للحالات التي يحق فيها للجمعية العامة للشركة أن تقرر انسحابها من البورصة، ومتى يجوز للهيئة رفض منح الموافقة على طلب الانسحاب الاختياري من البورصة، حتى يتم النظر في موضوع الانسحاب بشكل موضوعي، فالتعويل على مصطلح حماية المستثمرين لا يكفي، إذ يمكن لكل طرف أن يدّعي أن قراره هو لمصلحة المستثمرين، ومن المهم التشديد على أن تمارس الهيئة دورها في تحقيق مبدأ الشفافية والعدالة تجاه الشركات. لا سيما أن الأثر الناتج عن عدم الالتزام بقوانين وقواعد الهيئة له أثر سلبي كبير، مقارنة مع احتمال تدنّي سعر السهم، ومع قرار الانسحاب الاختياري.
إلا أنه في ظل سريان القواعد الحالية بشأن الانسحاب الاختياري وعدم وجود ضوابط بالشكل المذكور أعلاه، فإن ذلك يجعل الشركات الراغبة في الانسحاب الاختياري لا تجد حلّا سوى عدم تطبيق القانون.