في الصميم: برلمانات بني يعرب فاشلة
أعلم أن الحديث عن الديموقراطية في الوطن العربي والمطالبة بها أمرٌ يثير الحساسية، فالكل يصرخ ويحلم وينادي بديموقراطية وحريات سياسية وحكم الشعب للشعب، وهناك برلمانات عربية كثيرة في كل بلاد العرب قامت إعلاميا على هذا الادعاء، وأنها انتُخبت بحرية ونزاهة، وأن مخرجاتها مثّلت كل أطياف شعوب المنطقة ومشاربها وتوجهاتها كل منها على حدة، ولكنه واقع لا يستقيم والحقيقة.
فنحن نجزم بأن كل برلمانات بني يعرب، وبلا استثناء إيجابي، فشلت فشلا ذريعاً ليس فقط بتمثيلها لشعوبها، ولكنها سقطت سقوطا حراً، سواء كان في دفعها الى التنمية أو في مكافحة الفساد، بل إن بعضها تحول إلى أداة خيانة حقيقية، وما نراه هو انتخابات مخرجاتها تدل على محاصصات واصطفافات غير ديموقراطية أفرزت برلمانات منحرفة.
لننظر لما يحصل في البرلمان اللبناني والمشهد الكاريكاتوري الذي يؤديه أسبوعيا رئيسهم نبيه بري بتمثيلية سمجة بحجة عدم اكتمال النصاب، إنها مأساة لبنانية تتكرر أسبوعيا بانتظار موافقة وليهم القابع في قم، فقد أصبح موضوع انتخاب رئيس جمهوريته مهزلة المهازل بسبب معارضة إيران لرغبات اللبنانيين.
ولننظر لما يحدث للعراق، فالعراقيون أجبروا عدة مرات على تعيين رؤساء وزراء لم يحوزوا على الأغلبية امتثالا لرغبات إيرانية أميركية متفق عليها في مشهد تديره إيران عن طريق ميليشيات مسلحة يدفع رواتبها الكونغرس الأميركي باعترافه، وانظروا إلى حرب يمنية أهلية تتحكم فيها وفي قرار إيقافها إيران، أما برلمانات سورية وغيرها فحدّث ولا حرج.
بعض البرلمانات أصبحت أدوات وألعوبة بيد حيتان فساد مسكوا بتلابيب بلادهم، بعضها أصبح أداة حقيقية لتأصيل وشرعنة الفساد، وعرقلة للتنمية، والتدخل في شؤون الآخرين وحرياتهم، فتعريف الحرية والعدالة عندهم هي ما يلائم البيئة التي أفرزتهم لا البيئة التي جبل الناس عليها، أصبحت الحملات الانتخابية سبّة في جبين من يدّعون أنها ديموقراطية، فهل الديموقراطية أن ينجح فرد بلا مؤهلات ولا خبرة ولا حتى سمعة حسنة، فقط لأنه رمى «بعقاله» أو لأنه صرخ مولولاً «هلي يا هلي»؟
الواضح الجلي أن الثقافة والتربية العربية لا تتقبلان تاريخيا الديموقراطية، وهي وللحقيقة ثقافة غربية ووسيلة حياة نجحت فقط في الغرب لأنها ارتبطت بقوانين صارمة تطبق على الجميع، فهناك رؤساء دول ورؤساء وزراء ووزراء ومسؤولون كبار وصغار لم يفلتوا من العقاب، وهم يقبعون الآن وراء القضبان لأنهم تجاوزوا على القوانين، واستغلوا مناصبهم، فأين بني يعرب منهم، فمن يريد الديموقراطية الحقيقية كما هي في بلاد الغرب، فعليه أن يكون مثلهم.
انظروا الى معظم الانتخابات إن كانت أمة أو بلدية وحتى جمعيات تعاونية ورياضية وطلابية، فمعظم مخرجاتها تلوثت طائفيا وقبليا وحزبيا، ولم تعد مصلحة الكويت لها الأولوية عندهم، استمعوا لما يقوله مرشحون، فهم يجهرون بولائهم لغير الكويت ولغير الأمير.
معظم من يتكالبون، حرفيا، على خوض الانتخابات إنما من أجل ثراء سريع، بعد أن رأوا بأم أعينهم كيف استفاد أبناء عمومتهم وجماعتهم فتحولوا من أناس مغمورين إلى أصحاب مراكز وصيت، ليس لعبقرية ولا لكفاءة، ولكن لبيع أصواتهم لا غير، فهم في كل المجالس صمّ بكم عميٌ لا يفقهون.
السنوات الماضية كشفت معدن وأخلاق وحقيقة كل من دخل البرلمان، وارتفع صوته فتبين للجميع أن قلة أقل من القليلة هي التي أثبتت وطنيتها، أما البقية فقد دخلوا المجالس والوزارات وخربوا قبل أن يخرجوا،
فهل هناك من يحتاج الى قبيض أو مرتشٍ أو فاسد ليتحدث باسمه أو يشرّع له؟ فكل دول الخليج، وبلا استثناء، تطورت وتقدمت تنمويا وتعليميا وحريات شخصية، من دون جدل سياسي عقيم، ولا عرقلة، وعقد صفقات وشراء ولاءات كلفت الدولة المليارات، الكل يشيد ويفخر بنهضتها وحيويتها، فمتى يأتي اليوم الذي يفخر بنا الآخرون؟ مع الاحتفاظ بحرية التعبير.