عنوان المقال عبارة تقال من باب النصيحة لصديق عزيز حتى لا يتعرض لأي مكروه، خصوصاً إذا كان الكاتب من أصحاب الرأي الحاد والماشي عكس التيار، لا يهادن ولا يجامل، بل يقول رأيه دون وجل متخطياً «المحظورات» وما يقع تحتها من محاذير.
يعجبني هذا النوع من المثقفين وأصحاب الرأي والكلمة الحرة ولذلك تراني ألهث خلف كتاباتهم وإصداراتهم وأقرأها بشغف، لأنني مللت المجاملات وحالة الخوف التي تسكننا وأنا واحدٌ من هذا الرعيل إذا ما تجرأنا وأبدينا رأياً مخالفاً للعامة أو لما هو شائع في الخطابات والمقالات المدبلجة.
أحدث كتاب يصب في خانة ما يعرف بإعادة النظر في تاريخ شخصيات وضعت في خانة التقديس، هو للباحث والروائي المصري مصطفى عبيد وكتابه «ضد التاريخ» والمنطلق من قاعدة «نفي الحصانة» عن أحد، ونبذ المسلمات الموروثة جيلاً بعد آخر، وإلقاء «ثوابت التاريخ» خلف ظهورنا.
فكرة الكتاب تقوم على نبش جديد يخاصم تحصين الرموز التاريخية، فالتاريخ الصح هو ما نراه اليوم ويراه أولادنا من بعدنا وأجيال وراء أجيال، وأعتقد أن ما يخطه الزميل عبيد بأنه لا توجد قراءة واحدة للتاريخ هي دعوة صائبة وقد تصل بالقراءة إلى زاوية مختلفة لينقلب الأبطال إلى خونة، وبعض الأشرار إلى شهداء.
ليس من الكتب التي تحدث صدمات ولا مؤلفها يسعى إلى ذلك، إنما كتابة تحاول الاختلاف لتقبل التعددية بالرأي واستخلاصات مغايرة، والتأسيس لمنهج قديم يعادي التعصب، ومحاولة لإعادة وزن «الرموز» بعيداً عن رغبات السلطة وبمعزل عن تصورات الشعب، وبأن التاريخ ليس ما يروى فقط إنما استجلاء للقيم لبشر ليسوا من صنف الملائكة أو الشياطين.
باختصار هو محاولة لزيارة عصرية مختلفة للتاريخ المصري الحديث الذي تعرض للتوجيه والمبالغات.
سنبدأ من اسم مصطفى كامل، فهو ليس زعيماً وطنياً كما تمت صناعة زعامته من قبل السلطة الحاكمة، ومن أسباب دهشة المؤلف أنه انطلق من فكرة ساذجة ترى عودة مصر كولاية عثمانية مرة أخرى، بمعنى أنه لم يطالب باستقلال مصر لتصبح ملكاً للمصريين إنما لتعود إلى حضن الخلافة كدولة تابعة خاضعة، يتحكم فيها الأتراك.
وفي صحيفة «المدرسة» التي كان يصدرها ويشرف عليها كانت المقالات المنتشورة لا ترى مفهوم الوطنية سوى تبعية مصر للدولة العثمانية وتخلط بين القومية المصرية والقومية العثمانية، ففي شخصية مصطفى كامل قدرٌ كبيرٌ من النرجسية تتجاوز فكرة التواضع المفترض بزعيم شعبي، وموقف مصطفى كامل من قضايا الحداثة والتقدم كان شديد الرجعية، فقد وقف بالمرصاد لدعوات قاسم أمين بتحرير المرأة ليصل به الأمر إلى تحريض الجماهير ضد الرجل.
سعد زغلول كان من بين النوادر الذين تعرضوا لمصطفى كامل وانفجرت مشاعره الصادقة فور علمه بنبأ وفاته ليكشف زيفه وكذبه ويشكك في وطنيته، ويتضمن الكتاب مراجعة لموضوع «مظلومية اليهود المصريين» و«الوجه الآخر للدكتاتور إسماعيل صدقي» و«الكتاب الأسود للرجل الأبيض» و«صلاح سالم.. الشارع الغلط» و«عبدالحليم حافظ.. حلو وكداب» و«الذين قتلوا السادات بعد قتله» و«سليمان بن خاطر ليس قديساً نبياً» و«محمد نجيب دكتاتور لم يأخذ فرصته».
عن شخصية سيد قطب وكيف أن اسمه لا يذكر بمعزل عن الدم ولا تطرح أفكاره وعباراته إلا في سياق حث الشباب عن هوية على القتل باسم الدين، ولا يولد تنظيم إسلامي في العالم العربي دون توصية بقراءة كتب سيد قطب «المنتشرة كالجراد»، لكن السؤال الذي كان يلاحق سيد قطب، لماذا وصل التطرف به إلى درجة مرعبة؟
يقول مصطفى عبيد، فتش عن المرأة ومن خلال روايته الشهيرة «أشواك» ففيها جوانب من حكاية المرأة التي قلبت حياته رأساً على عقب «ولخبطت» عقله، وأشعلت أفكاره ودفعته ناحية التطرف وكراهية الدنيا ومجافاة العواطف والمشاعر الإنسانية.. والرواية تدور أحداثها حول علاقة شاب واسمه «سامي» وهو في الحقيقة سيد قطب مع شابة اسمها «سميرة».
نحتاج فعلاً من يعيد قراءة سيرة زعماء وقادة وضعوا في إطار القديسين، فمن يتصدى لهذه المهمة بخلاف مصطفى عبيد؟