تنفيذ الحكومة أمر القضاء أمرٌ لا خيار
«وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» العدل أساس الملك، وبدونه ستسود الفوضى، والفوضى دمار وشر للدولة، فقد حكمت المحكمة الدستورية ببطلان حل مجلس 2020 وقضت بإعادته، وترتب على ذلك بطلان انتخاب مجلس 2022، وكان على الحكومة أن تنفذ أمر القضاء حتى لا تسود الفوضى في بلادنا، ولكن من سوء الحظ أن يكون في وزارة سمو أحمد النوف وزيرٌ أشار على سموه بعدم قبول رأي المحكمة، لأنه رأى أن ذلك المجلس ساقط شعبيا، وكيف أمكن لهذا الوزير أن يثبت أن مجلس 2020 ساقط شعبيا بدون أداة علمية تقيس الرأي الشعبي؟ فذلك الادعاء على ما أعتقد أنه ادعاء باطل، لأنه بلا أدلة ولا برهان.
وسأحاول أن أشير إلى قضية حدثت في تاريخنا الإسلامي مشابهة للقضية التي نحن في صددها، لنتخذ منها بعض العبر، وهي قضية فتح سمرقند، وحدثت في عهد الحاكم العادل عمر بن عبدالعزيز، على يد القائد قتيبة بن مسلم الباهلي، حيث باغت المدينة وافتتحها بدون أن يخير شعبها بين الحرب أو الجزية أو الدخول في الإسلام، واحتكم أهل المدينة إلى الخليفة العادل، وحولهم إلى القضاء الإسلامي ليحكم في أمرهم، فسأل القاضي قتيبة عن رأيه فيما يقوله أهل سمرقند، وكان يمثلهم الكاهن: هل خيرتهم يا قتيبة؟ قال بل باغتهم فالحرب خدعة، فقال له القاضي لقد أقررت، فأمره القاضي بإخلاء سمرقند من الجيش وطرح الخيارات عليهم مرة أخرى، فإن الله لم ينصرنا إلا بالإسلام، والإسلام يأمرنا بالعدل، فاستجاب القائد لأمر القضاء، مع علم القائد أن ذلك الانسحاب قد يعرض جيش المسلمين للخطر، فأخلى المدينة وطرح عليهم الخيارات، فاختاروا الدخول في الإسلام.
علينا أن نتساءل: لماذا لم تتقبل الحكومة الكويتية رأي القضاء، وتعيد مجلس 2020 ليكمل مدته كما رأت المحكمة؟ بل حدث عكس ذلك، أقدمت الحكومة على حل مجلس 2020 مرة أخرى على ادعاء أن الحل استجابة للإرادة الشعبية، وإذا كان هذا صحيحا فإن الكويت قد تتحول إلى فوضى وسيتحكم بها الغوغاء وأصحاب اللسان العالي.
وعلينا أن نلقي نظرة في الشعارات التي ينادي بها بعض المرشحين لنتأكد من ذلك، يقول أحدهم إنه رشح نفسه ليدافع عن كرامة الأمة، وكأن الكويتيين أصبحوا بلا كرامة، ليأتي مثل هذا المتطرف ليدافع عن كرامتهم.
ويقول آخر إنه سيحارب دولة المشيخة ويهدمها، فهو بهذا الكلام يصور أفراد الأسرة الحاكمة على أنهم ينظرون إلى أنفسهم بأنهم طبقة مميزة عن الشعب الكويتي ويتكبرون عليهم، وهذا ادعاء كاذب، وشعار يرفعه المتطرفون من اليسار أو اليمين المتشدد، الذي لا يؤمن بالدولة الوطنية ويريد هدمها.
فعلينا أن نحمي الدولة من المتطرفين الذين يريدون هدمها، ومن المؤكد أننا لن نستطيع حماية دولتنا من التطرف إلا بوجود قضاء عادل نلجأ إليه ليحمي الدولة من المتطرفين، فإذا أردنا حماية الدولة من التطرف والفوضى، فعلينا أن نتقبل حكم المحكمة الدستورية الذي قضى ببطلان حل مجلس 2020، لأن حله كان بالفعل غير دستوري.