اتجهت أنظار المهتمين بالتاريخ والحضارة إلى منطقة آثار سقارة، قُرب أهرامات الجيزة في مصر، قبل أيام، بعد إعلان القاهرة اكتشافاً أثرياً مهماً يضيف معلومات وتفاصيل جديدة عن أسرار التحنيط، وتجهيز مومياوات البشر والحيوانات في زمن الفراعنة، حيث عثرت بعثة أثرية مصرية على ما أطلقت عليه «أكبر وأكمل ورشتين إحداهما آدمية والأخرى حيوانية» تعودان إلى عصري الأسرة 30 والبطلمي.
الاكتشاف الجديد أعلنه وزير السياحة والآثار المصري، أحمد عيسى، في مؤتمر صحافي عالمي، حضره 47 من سفراء الدول الأجنبية بالقاهرة، ونحو 200 وكالة أنباء وصحف مصرية وعربية وعالمية، فبخلاف ورشتي التحنيط تم اكتشاف مقبرتين ومجموعة من اللُقى الأثرية، أثناء استكمال أعمال حفائر البعثة الأثرية المصرية بجبانة الحيوانات المقدسة (البوباسطيون) بمنطقة آثار سقارة، للعام السادس على التوالي.
وأكد عيسى أن «سقارة لن تتوقف عن البوح بأسرارها، فهناك العديد من الاكتشافات الأثرية القادمة».
وتعتبر منطقة آثار سقارة أحد أهم أجزاء جبانة منف المُسجلة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، وهي أيضا بمنزلة متحف مفتوح يُبرز جانباً كبيراً من فترات التاريخ المصري القديم، لكونها تحتضن أقدم بناء حجري في تاريخ البشرية، وهو هرم زوسر المدرج، بالإضافة إلى العديد من أهرامات الملوك والملكات.
من جانبه، أوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ورئيس البعثة، مصطفى وزيري، أن الورشتين المكتشفتين تعودان لأواخر عصر الأسرة الـ30 وبداية العصر البطلمي، لافتًا إلى أن البعثة تمكنت أيضًا من الكشف عن مقبرتين من عصري الدولتين القديمة والحديثة، وعدد من اللُقى الأثرية.
وأضاف أن ورشة التحنيط الآدمية المكتشفة عبارة عن مبنى مستطيل الشكل من الطوب اللبن مقسم من الداخل إلى حجرات تحتوي على سريرين للتحنيط الآدمي طول السرير متران، وعرضه متر، وارتفاعه 50 سنتيمترا، ومكوّن من كتل حجرية ومغطى بطبقة من الملاط بها ميول ينتهي بميزاب (مزراب لتصريف المياه).
وأشار إلى أنه تم الكشف داخل الورشة عن عدد كبير من الأواني الفخارية، ربما كان يتم استخدامها في عملية التحنيط، وكذلك بعض الأدوات والأواني الطقسية، وكمية كبيرة من قماش الكتان ومادة الراتينج الأسود المستخدمة في التحنيط، ما يشير إلى أن عمليات التحنيط التي كانت تتم بتلك الورشة لآدميين، أما ورشة التحنيط الحيوانية فهي عبارة عن مبنى مستطيل الشكل مُشيَّد بالطوب اللبن يتوسطه مدخل له أرضية من الحجر الجيري من الداخل مقسمة إلى حجرات وصالات، بداخلها أوانٍ فخارية ودفنات حيوانية مختلفة الأشكال والأحجام، بخلاف أدوات خاصة بالتحنيط الحيواني.
وتشير القطع الأثرية المكتشفة إلى أن هذه الورشة كانت تستخدم على الأرجح في تحنيط الحيوانات المقدّسة المرتبطة بالإلهة «باستت».
الدولة القديمة
من جانبه، قال المدير العام لمنطقة آثار سقارة، المشرف على الحفائر، صبري فرج، إن البعثة نجحت كذلك في الكشف عن مقبرتين الأولى لشخص يُدعى «ني حسوت با» أحد موظفي عصر الدولة القديمة من الأسرة الخامسة (حوالي 2400 قبل الميلاد) ويحمل العديد من الألقاب الدينية والإدارية أهمها كبير عشرة الجنوب، ومدير الكتبة، وكاهن الإله حورس والإلهة ماعت، والمسؤول القانوني عن شق الترع والقنوات.
أما المقبرة الثانية فهي لشخص يُدعى «من خبر» من عصر الدولة الحديثة من الأسرة 18 (1400 قبل الميلاد)، وكان يحمل لقب كاهن الإلهة قادش، وهي معبودة أجنبية من أصل كنعاني من منطقة سورية، كانت تعبد في مدينة قادش وعبدت في مصر إبان عصر الأسرة الـ18 وكانت المعبودة الخاصة بالخصوبة.
وقد تم العثور أيضًا على تمثال من الألباستر بحجم كبير بارتفاع حوالي متر، يصوِّر صاحب مقبرة جالسًا على كرسي ويرتدي باروكة ويمسك بزهرة اللوتس بيده اليسرى على صدره، واليد اليمنى مفرودة على فخذه الأيمن ويرتدي زيًا طويلًا. كما تم العثور على لوحة جنائزية من الحجر الجيري عليها نقوش.