في ظل أجواء من الحذر المتبادل بين طهران وواشنطن، بدأ البلدان عمليا تنفيذ الخطوة الأولى في مبادرة اقترحتها عمان لإحياء الاتفاق النووي، وفق مبدأ «خطوة مقابل خطوة». وكشفت وسائل إعلام إيرانية، بينها صحيفة شرق، أمس، أن المواطن الأميركي الإيراني سيامك نمازي، السجين في طهران منذ أكتوبر 2015، أبلغ أسرته هاتفيًا بأنه سيتم الإفراج عنه خلال الأيام المقبلة.
في الوقت نفسه، أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني، محمد رضا فرزين، بعد زيارة الى واشنطن أجرى خلالها مباحثات مع مسؤولي صندق النقد الدولي، أنه أصبح بإمكان ايران الوصول السريع إلى 6.7 مليارات دولار من أموالها المجمدة في الصندوق. وقالت وكالة نور نيوز، المقرّبة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إن إيران بدأت منذ أشهر وفي إطار انساني، مباحثات غير مباشرة لتبادل السجناء مع واشنطن.
وكانت «الجريدة» قد كشفت سابقا عن توصّل واشنطن وطهران الى اتفاق غير مكتوب بعد مفاوضات غير مباشرة في عمان تبدأ بخطوات لكسب الثقة، بينها الإفراج عن الارصدة الايرانية المجمدة في صندوق النقد الدولي وفي كوريا الجنوبية ومنح العراق إعفاء من العقوبات، ليتمكن من دفع مستحقاته من أموال الغاز لطهران، وكذلك الإفراج عن السجناء بين طهران وواشنطن.
وقطعت إيران في الأيام الاخيرة إمدادات الغاز عن العراق، للضغط على واشنطن للسماح لبغداد بدفع مستحقاتها.
وجاءت هذه التطورات بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقريرين أمس الأول، أنها أعادت تركيب بعض معدات المراقبة التي كانت موجودة في الأصل بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع القوى الكبرى، وأمرت إيران بإزالتها العام الماضي.
والمعدات المعاد تركيبها هي جزء بسيط مما خططت لوضعه الوكالة من أجل تحسين مراقبتها للأنشطة النووية الإيرانية، وفق ما قالت الوكالة إنها اتفقت عليه مع إيران في مارس لنزع فتيل مواجهة بين الجانبين بشأن تعاون إيران.
وقال دبلوماسي إن التقدّم الذي حدث، رغم محدوديته، بحسب ما جاء في التقريرين، شمل تركيب معدات مراقبة لحظية للتخصيب على خطوط أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم التي تصل درجة نقائها إلى 60 بالمئة، وتقارب درجة صنع الأسلحة، في «نطنز» و»فوردو».
في الوقت ذاته، تواصلت زيادة مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، ويكاد يكفي حاليا لصنع قنبلتين نوويتين، بحسب ما أظهر أحد تقريرين ربع سنويين موجهين للدول الأعضاء بالوكالة.
وتمضي إيران قُدما في برنامج التخصيب الذي توسعت فيه بشكل مطّرد وسريع، وشمل موقع فوردو تحت الأرض الذي تم تطويره سرّا، وربما أقيم داخل جبل من أجل حمايته من الضربات الجوية.
ووضع اتفاق إيران النووي في 2015 قيودا صارمة على أنواع أجهزة الطرد المركزي التي يمكن لإيران استخدامها، وكذلك نسبة النقاء التي يمكن الوصول إليها وكمية اليورانيوم المخصب التي يمكنها امتلاكها، وذلك في مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة على طهران.
وذكر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لديها الآن 114.1 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، وفي هيئة سادس فلوريد اليورانيوم التي يمكن بسهولة تخصيبها لدرجة أكبر، وذلك بزيادة 26.6 كيلوغراما عن الربع السابق. وامتلاك نحو 42 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة هو ما تصفه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بـ «الكمية الكبيرة» التي تشكّل «كمّا مقاربا من المواد النووية التي لا يمكن معها استبعاد احتمال تصنيع أداة تفجير نووي».
ورغم التقدم الذي تحقق في تنفيذ المرحلة الاولى من المبادرة العمانية، لا تزال نقاط الخلاف واسعة، إذ تشترط واشنطن للإفراج عن الأموال المجمدة في كوريا تعهّدا من طهران لصرف هذه الأموال لشراء الحاجات الإنسانية الأساسية من دواء وغذاء، فيما ترفض طهران أي قيود على التصرف بأموالها.
ويطالب الأميركيون بضرورة أن تقلص طهران نسبة وحجم اليورانيوم المخصب الموجود لديها، وكذلك بضرورة خفض التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي مع موسكو في حال أرادت إيران العودة الى الاتفاق ورفع العقوبات الأميركية عليها. وترفض ايران كل هذه الشروط.
وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، أمس، إن حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي «ستواصل الخيار الدبلوماسي في المفاوضات لإزالة الحظر الظالم المفروض على إيران»، وأكد أن الحكومة ملتزمة بخطوط إيران الحُمر، في إطار مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، ومنها قانون البرلمان الذي يجبر الحكومة على الاستمرار في التصعيد النووي في حال عدم رفع العقوبات.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، أمس الأول، إن «خطة العمل المشتركة الشاملة ليست على جدول الأعمال حاليًا، ولا نركز عليها»، لكنه أكد أن بلاده: تعمل بجدية فيما يتعلق بالمحادثات والمفاوضات من أجل تبادل السجناء مع إيران».
وأكد متحدث باسم «الخارجية» الأميركية أن «الدبلوماسية أفضل سبيل لضمان عدم امتلاك إيران سلاحا نوويا، وكل الخيارات مطروحة»، مضيفا أن «الرئيس جو بايدن ملتزم تماما بعدم السماح لإيران مطلقا بامتلاك سلاح نووي».
في المقابل، كشفت صحيفة واشنطن بوست مضمون تقرير سري عن تنصّت على اتصالات في سورية ولبنان لحلفاء إيران عن تخطيط روسيا وإيران وحلفائها للقيام بتصعيد عسكري ضد القوات الأميركية في سورية عبر شنّ هجمات وإلحاق خسائر بالقوات والمعدات والعربات العسكرية بعبوات شديدة الانفجار لإجبار أميركا على سحب قواتها من سورية.
في المقابل، قالت شبكة سي. إن. إن التلفزيونية إن مدعين اتحاديين لديهم تسجيل صوتي يعود لعام 2021 يعترف فيه الرئيس السابق دونالد ترامب باحتفاظه، بعد مغادرته منصبه، بوثيقة سرية لوزارة الدفاع (البنتاغون) تتعلق بهجوم محتمل على إيران.
وقالت الشبكة الإخبارية إن ترامب بدا في التسجيل أنه كان يدرك أنه يحتفظ بمواد سرية بعد مغادرته البيت الأبيض عام 2021.
وقال مصدران لشبكة سي. إن. إن، إن تصريحات ترامب أشارت إلى رغبته في مشاركة المعلومات، لكنّه كان على دراية بالقيود المفروضة على قدرته على رفع السرية عن الوثائق بعد مغادرته منصبه.