بقايا خيال: طريق جنان بوشهري نحو البرلمان
عندما تقدمت د. جنان بوشهري للترشح لعضوية مجلس الأمة قبل بضع سنوات لم تحظ باهتمام حينها من قبل منافسيها المرشحين في الدائرة الثالثة، فقد كانوا ينظرون إليها كسياسية مغمورة ليس لديها قاعدة جماهيرية، ولن تنال حظاً من النجاح، أو كانوا ينظرون إليها كمرشح حشر اسمه في الانتخابات لتشتيت الأصوات، أو قد يكون وجودها آنذاك لذرّ الرماد في عيون من تمنّى وجوداً نسائياً تحت قبة عبدالله السالم، أو في الانتخابات على الأقل، حينها لم يكن في أجندتها شيء من هذا القبيل، لأنها كانت، ولا تزال، جادة في أطروحاتها القريبة من نبض الشارع، وساهمت في التفاف الكويتيين حولها حتى وصلت للبرلمان.
وقد أدرك الناجحون في انتخابات 2022 قوة حجتها مبكراً، فحاولوا إقصاءها قبل الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة، عندما امتنع النواب عن دعوة النائبتين عالية الخالد وجنان بوشهري لحضور الاجتماع التنسيقي لتوزيع عضويات اللجان البرلمانية، وبدلاً من أن تُوجه الدعوة لهما لحضور الاجتماع، اكتُفي بسؤالهما هاتفياً «عن اللجان التي ترغب كل منهما بالمشاركة فيها لنقل وجهة نظريهما للحضور، مع تعليل عدم تقديم الدعوة بالحرج»، وكيف يكون الحضور النسائي محرجاً لنائب كان قد التقى قبلها بمجاميع نسائية خلال التحضير لانتخابات 2022، واستقبل النائب نفسه سيدات هنأنه بنجاحه في تلك الانتخابات؟ ولهذا فإن عدم الدعوة لا علاقة له بالحرج بقدر ما أن له علاقة بـ «حرب إقصاء مبكرة من اللجان، لا سيما من اللجنة التعليمية البرلمانية»، كما صرحت د. جنان بوشهري نفسها.
جنان بوشهري كغيرها من السياسيين لم تأبه بلسعات منافسيها لأطروحاتها الجريئة إبان تقلدها منصب عضوة المجلس البلدي، عندما اتهموها بأنها من بين الذين تلقوا معاشات استثنائية غير مستحقة، فقابلت هذه اللسعات بضربات موجعة بطريقتهم ذاتها، فداوتهم بالتي كانت هي الداء، عندما وصلت إلى البرلمان لتتصدى للتلاعب بالمعاشات الاستثنائية وللهدر غير المبرر في المال العام، مطالبة بالتوقف عن التعدي عليه من خلال الرواتب الاستثنائية، ثم فجّرت قنبلة الموسم البرلماني عندما تحدثت عن صرف راتب استثنائي لعضو مجلس بلدي لمدة 9 سنوات سابقة على خدماته، وبقيمة 180 ألف دينار، ليتمكن من سداد مديونيته ويستفيد من فائض المعاشات الاستثنائية البالغ 70 ألفاً، ونتيجة لنطقها بكلمة الحق طرح الثقة فيها.
وإذا كانت مسيرتها المهنية قد عكست صعوداً هادئاً غير متثاقل على السلم الحكومي، أعقبه صعود سياسي سلس، فإن الغريب في هذا الإقصاء المبكر أنه صار وقوداً لتحقيق نجاحات شعبية واسعة للنائب بوشهري، حتى أثناء استجوابها كوزيرة للأشغال، فصعد نجمها السياسي وتزايد من حولها المخلصون لهذا الوطن، وبات المنافسون يعملون لها ألف حساب، حتى أصبح واضحاً أن مشوارها الحالي نحو البرلمان سيكون مليئاً بالعقبات، بعكس ما شهدته الانتخابات السابقة، فقد ذاع صيتها كمدافع شرس عن مكتسبات الكويتيين، الذين يرونها اليوم ثابتة على مبادئها وصادقة في برها بقسمها، لدرجة أن بعض المتنفذين من أصحاب المصالح الخاصة وصفها بأنها أدخلت يدها في عش الدبابير، في الوقت الذي وصفها الآخرون بأنها سيدة حديدية بخمسين شاربا، أو امرأة قوية بخمسين رجلا، فهي ليست كما يبديه بعض النواب من شراسة في الطرح فحسب، إنما وبعيداً عن طبيعة المرأة الوادعة الهادئة التي يراها الكثيرون في شخصيتها، تريد أن توصل رسالة مفادها:
إذا رأيتَ نيوبَ الليث بارزةً
فَلا تَظُنَّنَّ أنَّ اللَيثَ يبتَسِمُ.