تناقضات أحكام بطلان الحل مع قضاء سابق للمحكمة الدستورية (1-2)
الرقابة على دستورية القوانين
من الإنصاف أن نقرر أن المحكمة الدستورية بصونها أحكام الدستور ودفاعها عن المكتسبات الديموقراطية والحقوق والحريات التي كفلها الدستور، الحرية الشخصية بكل أبعادها ومنها حرية السفر والتنقل وحق الاجتماع وحرية الرأي وحق التعبير عنه وحق الاقتراع العام وحق التقاضي والحق في الخصوصية وصيانة الملكية الخاصة، وترسيخها مبدأ المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة، قد وقرت أحكامها في ضمير الشعب وأصبحت جزءاً من تاريخ الكويت.
اختصاص مجلس الأمة بالطعون الانتخابية
والواقع أن الاختصاص بالفصل في الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو صحة عضويتهم، هو الاختصاص المعقود لمجلس الأمة بموجب المادة (95) من الدستور، التي أجازت للمجلس بقانون أن يتنازل عن هذا الاختصاص إلى جهة قضائية، فأضيف بقانون إنشاء المحكمة الدستورية رقم 14 لسنة 1973 إلى الاختصاص الأصيل للمحكمة في رقابتها الدستورية للقوانين، فأصبحت تستمده من هذا القانون.
وبذلك حلت المحكمة الدستورية محل مجلس الأمة في اختصاصه الذي يستمده من هذه المادة، والذي لم يكن يملك أو يتصور أنه يملك فيه رقابة على مرسوم حل المجلس أو مرسوم الدعوة الى الانتخابات العامة، سواء بعد حل المجلس، أو انتهاء مدة الفصل التشريعي.
المحكمة الدستورية كمحكمة موضوع
وثاني التناقضات التي وقعت فيها الأحكام القضائية التي قضت ببطلان مرسوم الحل، وبطلان مرسوم الدعوة إلى الانتخابات أنها كانت في مباشرة اختصاصها بالفصل في الطعون الانتخابية، غاية في الحكمة، وصادقة كل الصدق فيما أطلقته على نفسها من صفة أنها محكمة موضوع.
(الأحكام الصادرة في الطعنين رقم 5 و14 لسنة 2003 والطعن 9 لسنة 2003 والطعن رقم 10 لسنة 2003، والطعنين رقم 13 ورقم 15 لسنة 2003 والطعنين 11 و12 لسنة 2003، وفي الطعن رقم 10 لسنة 2006 والطعنين رقمي 9 و39 لسنة 2008)
فتجردت من صفتها كمحكمة دستورية تراقب السلطة التشريعية فيما تمارسه من إقرار التشريعات، فتعدم التشريع المخالف للدستور وتعتبره كأن لم يكن، إلى رقابة السلطة التنفيذية فيما تصدره من قرارات خاصة بالعملية الانتخابية، لتلغي ما كان منها مخالفاً للقانون.
أي أن اختصاص المحكمة الدستورية في رقابة قرارات الإدارة الصادرة في العملية الانتخابية، كمحكمة موضوع، هو على غرار اختصاص الدوائر الإدارية بالقضاء العادي، وهي قاضي القانون العام.
ولعل ثالث هذه التناقضات هو أن المحكمة الدستورية شرعت لنفسها حقاً لا يملكه قاضي المشروعية في أي بلد في العالم من الرقابة على أعمال السيادة التي تمارس في أعلى مستويات العمل السياسي في شؤون الحكم، وهو حل مجلس الأمة والاحتكام إلى الأمة مصدر السلطات جميعاً.
رقابة تجاوز اختصاصها الدستوري
الأمر الذي يطرح سؤالا مشروعا هو: من أين جاء اختصاص المحكمة الدستورية بالرقابة القضائية على مرسوم حل مجلس الأمة أو على مرسوم الدعوة إلى الانتخابات العامة، وهو اختصاص لم تكن تنص عليه المادة (95) من الدستور؟
الإجابة: وقد يكون من أول التناقضات في أحكام المحكمة الدستورية ببطلان مرسوم حل مجلس الأمة ومرسوم الدعوة إلى الانتخابات العامة هو أنها في رقابتها الدستورية للقوانين، وهو الاختصاص الدستوري الأصيل للمحكمة، والذي تستمده من المادة (172) من الدستور مباشرة لم تكن تملك رقابة قضائية على أي من المرسومين باعتبارهما يندرجان في الأعمال البرلمانية التي حجبت نفسها عن رقابتها عندما قضت بعدم اختصاصها بالفصل في صحتها أو سلامتها لأنها خارج نطاق وظيفة التشريع التي تراقبها، باعتبارها أعمالاً برلمانية ليس لها صفتي العمومية والتجريد، وأن نطاق الرقابة المقررة لها هو القانون بمعناه الاصطلاحي، وهو ما يصدر عن السلطة التشريعية من قواعد تنظيمية عامة ومجردة طبقاً للإجراءات الدستورية المقررة، سواء كانت قانوناً أو مرسوماً بقانون أو لائحة تصدرها السلطة التنفيذية، تنفيذاً لأحكام القوانين (حلة 1994/6/29) في الطعن رقم (2) لسنة 1994.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.