عطفا على التناقضات السابقة التي تناولناها في مقال أمس وأولها: تناقص الأحكام القضائية ‏ببطلان حل مجلس الأمة مع اختصاصها الذي عهد به الدستور أصلاً للمجلس ففوضه المجلس ‏بقانون إلى المحكمة الدستورية، ولم يكن يملك المجلس صاحب الاختصاص الأصيل أو ‏يتصور أنه يملك تقرير بطلان مرسوم حله أو بطلان مرسوم الدعوة إلى الانتخابات.‏

وثاني هذه النتاقضات، تناقض أحكام البطلان مع حجب المحكمة الدستورية نفسها عن رقابة ‏الأعمال البرلمانية وقصر اختصاصها الأصيل في رقابة دستورية القوانين بمعناها ‏الاصطلاحي.‏

Ad

وثالث هذه التناقضات أنها كمحكمة موضوع ورقابتها لمشروعية قرارات الإدارة في العملية ‏الانتخابية، قد جاوزت اختصاصها في هذه الرقابة إلى بسط الرقابة القضائية على شؤون الحكم ‏وهو ما لا يملكه أصلا قاضي المشروعية الأصيل والمتمثل في القضاء الإداري، الذي يمارس ‏من خلال القضاء العادي بدوائره الإدارية.‏

التناقض الرابع

في الأحكام الصادرة ببطلان حل مجلس الأمة مع ولاية المحكمة الدستورية المحدودة في الفصل في ‏الطعون الانتخابية، وفقا لما استقر عليه قضاؤها بأن رقابتها على عملية الانتخاب تشمل مراحلها ‏المتتابعة والمتعددة من تصويت وفرز وإعلان نتيجة. (جلسة 2008/9/17 في الطعنين رقمي 9 ‏و39 لسنة 2008 وجلسة 2007/1/22 في الطعن رقم (10) لسنة 2006).‏

‏ وأنها لا تنظر في غير هذه الطعون من أمور سابقة على العملية الانتخابية فتستنهض القضاء ‏المختص في أمرها (جلسة 16/7/2008 الطعن رقم 8 سنة 2008) ولئن كان هذا الحكم قد ‏صدر في خصوص حكم جزائي في مادة جزائية، إلا أن العبرة بعموم الحكم لا بخصوص ‏السبب، فتستنهض المحكمة الدستورية كذلك القضاء العادي، باعتبار أن اختصاص ‏المحكمة الدستورية بالطعون الانتخابية هو استثناء من الأصل العام في اختصاص القضاء ‏العادي بروافده الإدارية بالفصل في مشروعية القرارات الإدارية كافة، والأصل في تفسير الاستثناء ‏وتطبيقه والتفسير الضيق وعدم جواز القياس فيه.‏

التناقض الخامس:‏

‏ في تناقض الأحكام القضائية ببطلان حل مجلس الأمة وبطلان الدعوة إلى الانتخابات العامة مع ‏قضائها بأنها لا تختص بالفصل في أمور سابقة على العملية الانتخابية في مراحلها الثلاث ‏التصويت والفرز وإعلان النتائج، وأنه ليس من شأن اضطلاع الجهة الإدارية لتلك الأعمال ‏واتخاذها لتلك القرارات أن يحيل النزاع في شأنها الى طعن في صحة الانتخاب، وإنما تظل ‏متعلقة بقرارات تستنهض القضاء المختص في أمرها. ‏‏(لطفاً يرجي الرجوع الى الحكم في التناقض السابق)‏

ويتحصل هذا التناقض في أن الأحكام القضائية سالفة البيان قد قضت ببطلان حل مجلس الأمة ‏وبطلان مرسوم الدعوة إلى انتخابات عامة، وهما قراران سابقان على مسألة الترشح للانتخابات ‏التي حجبت المحكمة الدستورية نفسها عن رقابتها، كما بينا فيما تقدم. ‏

وقد بدا التناقض واضحا في طعن انتخابي سابق على قضائها ببطلان مرسوم حل مجلس 2020 ‏عندما أهدرت المحكمة الدستورية، حكما جزائيا وباتا قضى بوقف تنفيذ العقوبة، دون أن يكون ‏المرشح الفائز قد ارتكب جرما آخر خلال فترة وقف التنفيذ، كما أهدرت حكما لمحكمة التمييز ‏حائزا قوة الأمر المقضي فيه، قضى بإلغاء قرار الداخلية باستبعاد المرشح في الانتخابات 2020 ‏من قائمة المرشحين لهذه الانتخابات.‏

التناقض السادس:‏

هو تناقض الحكم الصادر 2023/3/19 القاضي ببطلان مرسوم حل مجلس الأمة ومرسوم ‏الدعوة لانتخابات 2022 لعدم ملاءمة صدور مرسوم الحل في اليوم التالي لصدور مرسوم ‏تشكيل الوزارة، ذلك أن هذا الحكم يناقض مع ما التزمت به المحكمة الدستورية في أحكامها في ‏الطعون الانتخابية بأنها تلتزم وتتقيد بضوابط العمل القضائي وضماناته بعيداً عن العمل السياسي ‏بحساباته وتقديراته. (الطعن رقم 10 لسنة 2006 جلسة 2007/1/22 والطعن رقم 9 و39 ‏لسنة 2008 جلسة 2008/9/17).‏

التناقض السابع:‏

‏ وقضاؤها الأخير ببطلان حل مجلس الأمة لعدم الملاءمة لا يقتصر على تناقضه مع قضائها ‏السابق في الطعون الانتخابية فحسب، بل يتناقض كذلك مع قضائها المستقر في رقابتها لدستورية ‏القوانين، وهو الاختصاص الأصيل لها المستمد من الدستور في أن عمل القاضي الدستوري عمل ‏قضائي، وأنه لا يباشر في ذلك إلا وظيفة فنية ذات طابع قانوني مجرد (قرار التفسير رقم 3 ‏لسنة 86)، وبأن العمل السياسي لا يدخل في رقابتها القضائية. (طعون أرقام 2 لسنة 1982 ‏و(1) و(3) لسنة 1994) وأنها لا تملك إصدار حكم تقويمي على القانون من حيث ملاءمته، ‏فهي لا تفتش عن بواعثه ولا تناقش مدى ضرورته أو ملاءمته أو صلاحيته الاجتماعية أو ‏السياسية المتروك أمره المطلق لتقدير الهيئة التشريعية. (الطعن رقم 38 لسنة 1986) الأمر الذي ‏يطرح سؤالا مشروعا وهو: كيف استباحت الأحكام الصادرة في الطعون الانتخابية والتي ‏تباشرها المحكمة الدستورية كمحكمة موضوع تقويم مرسوم حل مجلس الأمة سالف الذكر من ‏حيث ملاءمته ومناقشة مدى ضروريته أو صلاحيته السياسية دون أن تترك الأمر لمطلق تقدير ‏رئيس الدولة في مواجهة حالات الضرورة التي تقتضي حل مجلس الأمة والاحتكام إلى الأمة ‏مصدر السلطات جميعا، ودون ترك الأمر لتقدير مجلس الوزراء بافتراض أن الحل كان بناء ‏على طلبه، وفي الوقت الذي لا تستبيح فيها المحكمة الدستورية لنفسها تقدير ملاءمة التشريعات، ‏وتركت الأمر في ذلك لتقدير السلطة التشريعية.‏

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.‏