وقع الرئيس الأميركي جو بايدن قانون رفع سقف دين الحكومة إلى ما يزيد على 31.4 تريليون دولار، مما يجنب البلاد التعثر في سداد الديون. وكان أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي صوتوا لمصلحة رفع سقف الدين الفدرالي، الخميس، في ختام مفاوضات مضنية لإبعاد شبح تخلف كارثي عن سداد الديون قبل أربعة أيام فقط من المهلة النهائية التي حددتها وزارة الخزانة.
وأعلن بايدن أنه ما من شيء سيكون أكثر انعداما للمسؤولية وأكثر كارثية من تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، وقال مخاطبا الأمة من المكتب البيضوي: «أود أن أثني على رئيس مجلس النواب مكارثي... كما تعلمون، هو وأنا، نحن وفرقنا، تمكنا من التوافق وإنجاز الأمور. كنا صريحين مع بعضنا بعضا، صادقين تماما ومحترمين مع بعضنا بعضا... كلا الجانبين عمل بحسن نية. والجانبان حققا وعدهما... أود أن أشكر أعضاء الكونغرس الذين صوتوا لتمرير هذه الاتفاقية التي سأوقعها، لتصبح قانونا».
وبحسب الاتفاق سيتم تخفيض إنفاق الحكومة الأميركية، وإسدال الستار على أزمة سقف الدين، حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية نهاية العام المقبل. ومع اتفاق سقف الديون الذي وقعه الرئيس جو بايدن السبت، فإن وزارة الخزانة الأميركية على وشك إطلاق موجة من السندات الجديدة لإعادة ملء خزائنها بسرعة.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تحذر فيه «وول ستريت» من عدم جاهزية الأسواق لها بعد، وسيكون هذا استنزافا آخر للسيولة المتضائلة. ويمكن أن يؤدي التأثير السلبي بسهولة إلى تقزيم الآثار اللاحقة للمواجهات السابقة حول سقف الديون. لقد أدى برنامج الاحتياطي الفدرالي للتشديد الكمي بالفعل إلى تآكل احتياطيات البنوك، بينما كان مديرو الأموال يكدسون النقد تحسباً للركود.
وقدر المحلل الاستراتيجي في بنك جي بي مورغان تشيس وشركاه نيكولاوس بانيجيرتزوغلو أن تدفق سندات الخزانة سيضاعف تأثير التشديد الكمي «QT» على الأسهم والسندات، مما يقلل من أدائها المجمع بنسبة%5 تقريباً هذا العام، ويقدم المحللون الاستراتيجيون لبنك سيتي غروب حسابات تفاضلية مماثلة، حيث يظهر انخفاضا متوسطا قدره%5.4 في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على مدى شهرين يمكن أن يتبع تراجع السيولة بهذا الحجم، و37 نقطة أساس لفروق الائتمان ذات العائد المرتفع.
المبيعات، المقرر أن تبدأ الاثنين، ستنطلق في كل فئة من فئات الأصول وسط ادعاء بأن المعروض النقدي يتقلص بالفعل، ويقدر «جي بي مورغان» أن مقياساً واسعاً للسيولة سينخفض 1.1 تريليون دولار من حوالي 25 تريليون دولار في بداية عام 2023.
استنزاف كبير للسيولة
وقال بانيجيرتزوغلو: «هذا استنزاف كبير للسيولة. نادراً ما رأينا شيئاً كهذا. حدث فقط في الانهيارات الخطيرة مثل أزمة بنك ليمان».
وسيمثل هذا الحدث اتجاهاً قلما حدث، فجنباً إلى جنب مع تشديد بنك الاحتياطي الفدرالي، سيدفع مقياس السيولة إلى الأسفل بمعدل سنوي يبلغ%6، على عكس النمو السنوي لمعظم العقد الماضي، وفقاً لتقديرات «جيه بي مورغان».
وكانت الولايات المتحدة تعتمد على إجراءات استثنائية للمساعدة في تمويل نفسها في الأشهر الأخيرة، حيث تشاجر القادة في واشنطن. الإجراء الذي تم التوسط فيه بين بايدن ورئيس مجلس النواب كيفين مكارثي يحد من الإنفاق الفدرالي لمدة عامين ويعلق سقف الديون حتى انتخابات عام 2024.
ومع تجنب التخلف عن السداد بصعوبة، ستبدأ وزارة الخزانة فورة اقتراض قد تصل حسب بعض تقديرات وول ستريت إلى تريليون دولار بحلول نهاية الربع الثالث، بدءاً من العديد من مزادات أذون الخزانة يوم الاثنين والتي يبلغ مجموعها أكثر من 170 مليار دولار.
وليس من السهل التنبؤ بما يحدث عندما تشق المليارات طريقها عبر النظام المالي، إذ إن هناك العديد من المشترين لأذون الخزانة قصيرة الأجل، مثل البنوك وصناديق أسواق المال ومجموعة واسعة من المشترين غير الماليين، وتشمل هذه الفئة الأسر وصناديق التقاعد وخزائن الشركات.
وقد لا تكون لدى البنوك شهية لأذون الخزانة في الوقت الحالي، ذلك لأنه من غير المحتمل أن تكون العائدات المعروضة قادرة على التنافس مع ما يمكنهم الحصول عليه من احتياطياتهم الخاصة.
حدوث فوضى
ولكن، حتى لو تركت البنوك مزادات الخزانة، فإن التحول من الودائع إلى سندات الخزانة من قبل عملائها يمكن أن يؤدي إلى إحداث فوضى. بدوره، قال رئيس استراتيجية الماكرو العالمية في «سيتي غروب» ديرك ويلر: «أي تراجع في احتياطيات البنوك ينذر بكارثة».
ويرى أن السيناريو الأكثر اعتدالا هو أن تغطي العروض من مشتريات الصناديق النقدية المشتركة أو ما تعرف بـ«money-market mutual funds» هذه الفجوة، حيث من المفترض أن مشترياتهم، من أوعية النقد الخاصة بهم، ستترك احتياطيات البنوك كما هي، ولكن من الناحية التاريخية، فإن المشترين الأكثر بروزاً لسندات الخزانة، قد تراجعوا مؤخراً لمصلحة عوائد أفضل معروضة من تسهيلات اتفاقيات إعادة الشراء العكسي لبنك الاحتياطي الفدرالي.
ويترك الجميع: غير البنوك – متسوقون في مزادات الخزانة الأسبوعية، ولكن ليس بدون تكلفة إضافية على البنوك. فمن المتوقع أن يقوم هؤلاء المشترون بتحرير الأموال لمشترياتهم عن طريق تصفية الودائع المصرفية، مما يؤدي إلى تفاقم هروب رأس المال والذي أدى إلى انهيار المقرضين الإقليميين وزعزعة استقرار النظام المالي هذا العام، وفقاً لما ذكرته «بلومبرغ»، واطلعت عليه «العربية.نت».
وكان اعتماد الحكومة المتزايد على ما يسمى بالمزايدين غير المباشرين واضحا لبعض الوقت، وفقاً لألثيا سبينوزي، محلل الدخل الثابت في «ساكسو بنك»، وقالت: «في الأسابيع القليلة الماضية، شهدنا مستوى قياسياً من مقدمي العطاءات غير المباشرة خلال مزادات الخزانة الأميركية. من المحتمل أنهم سيستوعبون جزءاً كبيراً من الإصدارات القادمة أيضاً».
هزة ارتدادية
في الوقت الحالي، أدى ارتياح الولايات المتحدة بشأن تجنب التخلف عن السداد إلى صرف الانتباه عن أي هزة ارتدادية وشيكة للسيولة. في الوقت نفسه، أدت إثارة المستثمرين بشأن آفاق الذكاء الاصطناعي إلى وضع مؤشر S&P 500 على أعتاب سوق صاعدة بعد 3 أسابيع من المكاسب. وفي الوقت نفسه، كانت السيولة للأسهم الفردية تتحسن، مخالفة الاتجاه الأوسع.
لكن هذا لم يهدئ المخاوف بشأن ما يحدث عادة عندما يكون هناك انخفاض ملحوظ في احتياطيات البنوك: تنخفض الأسهم ويتسع هوامش الائتمان، مع تحمل الأصول الأكثر خطورة وطأة الخسائر.
وقال ويلر من «سيتي غروب»: «هذا ليس الوقت المناسب لمؤشر S&P 500». ويرى أولريتش أوربان، رئيس استراتيجية الأصول المتعددة في «Berenberg»: «نعتقد أنه سيكون هناك انخفاض طاحن في الأسهم بسبب استنزاف السيولة. لدينا مؤشرات داخلية سيئة في السوق، ومؤشرات قيادية سلبية وانخفاض في السيولة، وكل ذلك لا يدعم أسواق الأسهم».