تسبب الحادث الحدودي بين مصر وإسرائيل، الذي أسفر عن مقتل جندي مصري وثلاثة جنود إسرائيليين، في توتر بين مصر وإسرائيل، وسط روايات متضاربة حول الملابسات بين الجانبين، اللذين شددا على أن العلاقات بينهما يجب ألا تتأثر بالحادث، وسعت حكومتاهما الى احتواء تداعياته.
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، مصرع الجنود الإسرائيليين الثلاثة بأنه «هجوم إرهابي مأساوي»، وقال خلال الجلسة الأسبوعية لحكومته، إن «الحادث الذي وقع على الحدود المصرية خطير وغير عادي، وسيتم التحقيق فيه بدقة».
وقال نتنياهو «لقد أرسلنا رسالة واضحة لمصر بأننا نتوقع أن يكون التحقيق المشترك شاملاً ومعمقاً وجدياً».
ولفت إلى أن «التحقيق في الحادث جزء من التعاون الأمني المهم والمستمر لمصلحة البلدين منذ سنوات».
في المقابل، قالت مصادر مصرية مطلعة لـ «الجريدة»، إن الجانب المصري حريص على ألا يؤثر الحادث على العلاقات الثنائية، لذا قدمت القاهرة كل ما في وسعها من أجل كشف ملابسات الواقعة بما في ذلك البدء الفوري في فتح تحقيق على الأرض، والعمل على التنسيق مع الجانب الإسرائيلي فيه، فضلا عن البدء في اتخاذ إجراءات جديدة لتأمين الحدود.
وكثفت السلطات المصرية المعنية من تحركاتها خلال الساعات الماضية من أجل التهدئة، رغم إصرار القاهرة على أن الحادث فردي، وإن اختلف كل طرف في رواية تفاصيله وتفسيره.
وبحسب وسائل اعلام عبرية، فقد أفادت نتائج التحقيقات الأولية للجيش الإسرائيلي في الواقعة التي باتت تعرف بـ «حادث الحدود» بوجود عدد من الأخطاء التي قام بها أفراد الجيش.
وأشارت النتائج الأولية، أمس، إلى أن «الجندي المصري خطط مسبقا للعملية بشكل جيد، وعرف المنطقة جيدا بحكم عمله كحارس حدود دائم».
وقالت الإذاعة إلاسرائيلية، إن الجندي المصري مشى مسافة خمسة كيلومترات من موقعه داخل الحدود المصرية، ومن ثم تسلّق أحد المرتفعات الصخرية ووصل إلى السياج، وقام بقطع القفل الذي تغلق به فتحة السياج بواسطة معدات قطع عسكرية، ودخل إلى الجانب الآخر من الحدود، واقترب من موقع الجنود وفتح النار عليهم.
وأظهر التحقيق الاولي في الحادث الذي سقط فيه ثلاثة جنود إسرائيليين هم الرقيب ليا بن نون، والرقيب أوري يتسحاك إيلوز، والرقيب أوهاد دهان، أن منفذ العملية المصري قطع الأصفاد الموضوعة على بوابة معبر طوارئ مخصص لمرور القوات الإسرائيلية عند الحاجة إلى الجانب المصري وعبر منه، كما تم العثور على نسخة من القرآن الكريم بحوزته.
ويتضح من التحقيق الإسرائيلي أن الجندي المصري أعد مخبأ لنفسه للتخفي بعد عبوره الحدود المصرية والبقاء فيه مدة طويلة، حيث استقر على عمق كيلومتر ونصف شرق السياج، مستعينا بالتضاريس الجبلية للمنطقة الحدودية التي تضم العديد من المنحنيات الوعرة والمرتفعات الصخرية.
وأشارت تقارير عبرية، الى أن القوات الإسرائيلية تأخرت في تقديم الإسناد بالمروحيات لقوة كانت تمشط المنطقة عقب مقتل الجنديين، وهو ما مكّن الشرطي المصري من شل حركتهم وقتل جندي ثالث.
وأفادت «هارتس» بأنه بسبب العملية سيتطلب من الجيش الإسرائيلي معرفة ما إذا كان هناك تغيير نحو الأسوأ في الحدود، وهل عليه تغيير نهجه تجاه القوات المصرية على الناحية الأخرى من الحدود، الأمر الذي يتطلب نشرا مختلفا للقوات، وتخصيص موارد إضافية، وتحسين المعلومات الاستخبارية، وزيادة قدرات المجندين الإسرائيليين على الحدود وزيادتها.
وكان المتحدث العسكري باسم الجيش المصري قد قال إنه «فجر اليوم السبت، قام أحد عناصر الأمن المكلفة بتأمين خط الحدود الدولية بمطاردة عناصر تهريب المخدرات، وأثناء المطاردة قام فرد الأمن باختراق حاجز التأمين وتبادل إطلاق النيران، مما أدى إلى وفاة 3 أفراد من عناصر التأمين الإسرائيلية وإصابة اثنين آخرين بالإضافة إلى وفاة فرد التأمين المصري أثناء تبادل إطلاق النيران».
وأكد المتحدث أنه «جار اتخاذ كل إجراءات البحث والتفتيش والتأمين للمنطقة، وكذلك اتخاذ الإجراءات القانونية حيال الواقعة».
وكان الجيش المصري أعلن، في بيان، امس الاول، أن وزير الدفاع المصري الفريق أول محمد زكي، أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، وبحث معه ملابسات الحادث والتنسيق المشترك لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تكراره مستقبلا.
وبحسب البيان «قدّم زكي العزاء في ضحايا الحادث من الجانبين»، وأثارت هذه الجملة بالتحديد غضب نواب إسرائيليين. وقالت عضوة الكنيست تالي غوتليب: «وزير الدفاع المصري، لا تستهزئ بجمهور إسرائيل وترسل التعازي في القتلى من الجانبين! لا الجندي المصري لم يطارد مهربي مخدرات، بل قتل جنودنا واستمر في إطلاق النار على قوات الدعم. الجيش الإسرائيلي سيستخلص استنتاجاته الخاصة، لكنني لست راضية عن كلامك معالي وزير الدفاع المصري».
وكانت تظاهرة لمعارضي التعديل القضائي الذي تقترحه حكومة نتنياهو مساء أمس الأول شهدت شتائم للمصريين على خلفية الحادث.
في المقابل، أشاد معلقون مصريون وسياسيون، بينهم قياديون ناصريون، بالجندي المصري، الذي لقي إشادة كذلك في وسائل التواصل.
وقال الخبير الاستراتيجي اللواء سمير فرج إن «ما فعله الجندي هو مهمته الأولى بتأمين خط الحدود المصرية».
ووصف القيادي في الحزب الناصري عبدالحليم قنديل الجندي المصري بـ «الشهيد الذي عبّر عمّا يكنّه كل مصري تجاه الاحتلال الإسرائيلي»، ولفت النظر إلى «نجاح الجندي المصري في عبور الحدود ببسالة وإقدام وشجاعة ليقتل 3 جنود».
واختنم قنديل بأن «الرسالة المستفادة مما جرى هي أن المصريين لا ينسون ثأرهم مهما توالت السنوات، وأن التطبيع مع من وصفه بالعدو الإسرائيلي هو أضغاث أحلام لا محل لها من الواقع». وقال مصدران مصريان، لـ «رويترز»، إن فريقا يفحص مكان الواقعة وجثة فرد الأمن لمعرفة ملابسات الأمر، وأضافا أنه يجري استجواب زملاء وأقارب فرد الأمن المصري لمعرفة ما إذا كان ينتمي إلى إحدى الجماعات السياسية أو يعاني اضطرابات نفسية.
في سياق متصل، بدأت أمس، مباحثات بين مسؤولي جهاز المخابرات المصرية مع وفد «حماس» بقيادة رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، ومشاركة خالد مشعل وصالح العاروري وخليل الحية وروحي مشتهى، كذلك يعقد الجانب المصري مباحثات مع وفد حركة «الجهاد» بقيادة أمينها العام زياد النخالة، وتتم المباحثات بدعوة رسمية من مصر الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين في جهود التهدئة.
قال مصدر مصري مطلع على الملف، إن القاهرة تعمل بدعم دولي على إقرار هدنة طويلة الأمد في الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر الاستماع لمطالب الفصائل الفلسطينية للتهدئة، بما في ذلك التعبير عن رفضها للسياسات الإسرائيلية التصعيدية المستمرة، ووقف الهجمات الإسرائيلية المتكررة، ومناقشة ملفات الأسرى وإعادة الإعمار وتحسين الأوضاع المعيشية لسكان غزة، على أن يعقب ذلك اتصالات مصرية مع الجانب الإسرائيلي للوصول إلى حلول طويلة الأمد.