في ختام بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2023، قال بيان خبراء صندوق النقد إن التعافي الاقتصادي في الكويت لا يزال مستمرا مستفيدا من زيادة إنتاج النفط وارتفاع أسعاره.
وقال البيان الذي أصدره بنك الكويت المركزي، اليوم، إنه تم احتواء التضخم وتعزيز رصيد المالية العامة والحساب الخارجي، مع الحفاظ على الاستقرار المالي.
أما هيمنة النفط على الاقتصاد، مقترنا بالاتجاهات العامة العالمية نحو خفض انبعاثات الكربون، فيستلزم إجراء إصلاحات في المالية العامة لتعزيز الاستدامة، وإصلاحات هيكلية لإعطاء دفعة للنمو غير النفطي بقيادة القطاع الخاص.
وقد أفضت حالة الجمود بين الحكومة ومجلس الأمة إلى عرقلة تقدّم الإصلاحات، الذي يمكن إجراؤه الآن من موقع قوة.
وعرض تقرير خبراء آخر التطورات والآفاق المتوقعة والمخاطر:
1 - لقد تعافى الاقتصاد بشكل كبير من الجائحة، وتشير التقديرات إلى ارتفاع النمو إلى 8.2 بالمئة في 2022 مقابل 1.3 بالمئة في 2021، مدفوعا في الأساس بزيادة إنتاج النفط وارتفاع أسعاره.
وارتفع النمو غير النفطي حسب التقديرات إلى 4 بالمئة في 2022 مقابل 3.4 بالمئة في 2021، انعكاسا لقوة الطلب المحلي. وتم احتواء التضخم، نظرا لمحدودية انتقال آثار ارتفاع أسعار الأغذية والطاقة العالمية بفضل نظام الأسعار الموجهة إداريا والدعوم، فضلا عن تشديد السياسة النقدية على نطاق واسع، كما هي حال كبرى البنوك المركزية في أنحاء العالم.
وكان التضخم الكلي السنوي في الرقم القياسي لأسعار المستهلك قد بلغ ذروته في أبريل 2022 مسجلا 4.7 بالمئة، ثم اتخذ اتجاها تنازليا وبلغ 3.7 بالمئة في أبريل 2023.
2 - اكتسب رصيد المالية العامة والرصيد الخارجي قوة بفضل زيادة الإيرادات النفطية، وتشير تقديرات خبراء الصندوق إلى أن فائض المالية العامة الكلي ارتفع إلى 22.5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في 2022 مقابل 6.4 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في 2021.
وبالتوازي مع ذلك، ارتفع فائض الحساب الجاري حسب التقديرات إلى 33 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في 2022 مقابل 26.6 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في 2021.
وعلاوة على ذلك، ارتفعت الأصول الاحتياطية الرسمية إلى 48.2 مليار دولار (10.3 أشهر من الواردات المتوقعة) بنهاية 2022، وهو ما يكفي لتغطية مخاطر تمويل ميزان المدفوعات.
ومع هذا، تشير التقديرات إلى أن المركز الخارجي في 2022 أضعف من المستوى الذي تنطوي عليه الأساسيات الاقتصادية والسياسات المحبذة، وهو ما يرجع بشكل كبير إلى عدم كفاية الادخار العام من الإيرادات النفطية الاستثنائية.
3 - تسنى الحفاظ على الاستقرار المالي، فلا تزال البنوك متمتعة بمستويات جيدة من رأس المال والسيولة - حيث تتجاوز الشروط التنظيمية الاحترازية بشكل مُطَمئِن - بينما القروض المتعثرة لا تزال منخفضة.
ولا يزال نمو الائتمان الممنوح للقطاع الخاص قويا، برغم قيام بنك الكويت المركزي برفع سعر الفائدة الأساسي تدريجيا حتى بلغ مجموع الارتفاع 250 نقطة أساس منذ بدء دورة تشديد السياسة النقدية العالمية العام الماضي.
وظل تأثير اضطراب القطاع المصرفي العالمي على البنوك الكويتية محدودا، انعكاسا لنماذج عملها الموجهة محليا وإقليميا وقوة الرقابة الاحترازية من قِبَل بنك الكويت المركزي.
4 - لا تزال حالة الجمود السياسي بين الحكومة ومجلس الأمة مستمرة، فقد قدمت الحكومة استقالتها في 23 يناير، وقام ولي عهد الكويت في 5 مارس بإعادة تعيين رئيس الوزراء وكلفه تشكيل مجلس وزراء جديد، وتم تشكيل مجلس الوزراء يوم 9 أبريل، وأصدر ولي العهد في 1 مايو مرسوما بحل مجلس الأمة بموجب مرسوم أميري، ويدعو إلى تنظيم انتخابات عامة جديدة. وتُجرى انتخابات عامة اليوم الثلاثاء.
5 - نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي آخذ في الانخفاض، ويتوقع هبوط النمو في عام 2023 إلى 0.1 بالمئة انعكاسا لتخفيضات إنتاج النفط المتفق عليها في ظل «أوبك+» وبطء نمو الطلب الخارجي.
ومع هذا، من المتوقع أن يظل النمو غير النفطي قويا عند 3.8 بالمئة، بفضل التنشيط المالي والانتعاش الجزئي في توظيف الوافدين، برغم بطء نمو الائتمان الحقيقي.
وسوف يظل التضخم قيد الاحتواء، بينما التعافي الاقتصادي يتباطأ، يعززه انخفاض أسعار الأغذية والطاقة العالمية.
وسوف تنخفض الفوائض ككل في حساب المالية العامة والحساب الجاري في 2023، انعكاسا لتوسع المالية العامة وانخفاض إيرادات النفط.
6 - تكتنف الآفاق الاقتصادية مستويات عالية من المخاطر، فتقلبات أسعار النفط وإنتاجه الناجمة عن عوامل عالمية تفرض مخاطر من جانبين، على النمو والتضخم، وكذلك على رصيد المالية العامة والرصيد الخارجي.
ومن شأن حدوث تباطؤ أعمق في النمو العالمي – ربما بسبب زيادة تشديد السياسة النقدية أو الضغوط في القطاعات المصرفية لكبرى الاقتصادات المتقدمة – أن يؤثر سلبا على اقتصاد الكويت.
وفيما يخص المخاطر على المستوى المحلي، فإن التأخر في تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية اللازمة يمكن أن يؤدي إلى انتهاج سياسة المالية العامة المسايرة للاتجاهات الدورية وتقويض ثقة المستثمرين، بينما يحول دون التقدم نحو تنويع النشاط الاقتصادي وتعزيز قدرته التنافسية.
وعلى الجانب الإيجابي، فإن تسوية حالة الجمود السياسي يمكن أن تعجّل الإصلاحات المالية والهيكلية اللازمة، وتعزز ثقة المستثمرين، وتحفز الاستثمارات الخاصة.
7 - رغم أن التنشيط المالي سيدعم التعافي، هناك حاجة إلى ضبط أوضاع المالية العامة في أقرب فرصة، فمشروع موازنة السنة المالية 2023-2024 يتوخى توسع المالية العامة بشكل كبير، وتركزه في نفقات جارية أعلى على فاتورة أجور القطاع العام، وكذلك الدعوم والمنافع الاجتماعية، وسوف يساعد التنشيط المالي المصاحب على سد فجوة الناتج غير النفطي (انحراف الناتج غير النفطي عن مستواه الممكن)، التي تشير التقديرات إلى بلوغها -1.7% في 2023. وبالفعل، يتوقع خبراء الصندوق هبوط فائض المالية العامة الكلي إلى 6.9% من إجمالي الناتج المحلي في 2023، وهبوطه باطراد بعد ذلك ليتحول إلى عجز على المدى المتوسط.
وبعد السنة المالية 2023-2024، يتعين ضبط أوضاع المالية العامة لعكس مسار هذا الاتجاه العام المتوقع، ومن ثم تعزيز استدامة المالية العامة على المدى الطويل ودعم العدالة بين الأجيال.
8 - سوف يتعين ضبط أوضاع المالية العامة بشكل كبير من خلال إجراءات على جانبي الإيرادات غير النفطية والنفقات، ومن أجل تخفيض الإنفاق الجاري، سيكون من الضروري ترشيد فاتورة أجور القطاع العام، وكذلك إلغاء الدعوم الكبيرة على الطاقة بالتدريج مع الاستعاضة عنها بدعم الدخل الموجه للأسر محدودة الدخل، وينبغي فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% لزيادة الإيرادات غير النفطية، وفرض ضرائب انتقائية على التبغ والمشروبات المُحلاة، على نحو ما اتُفِقَ عليه مع بلدان مجلس التعاون الخليجي الأخرى في 2015–2016.
وإضافة إلى ذلك، ينبغي توسيع ضريبة دخل الشركات البالغة نسبتها 15% لتغطي الشركات المحلية، وهو ما سيجعل الكويت تفي بمتطلبات الاتفاقية بشأن الحد الأدنى العالمي لضريبة الشركات متعددة الجنسيات التي تقودها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
9 - ويمكن أن يؤدي وضع إطار قوي متوسط الأجل للمالية العامة إلى دعم مصداقية سياسة المالية العامة، والارتكاز على إطار اقتصادي كلي متوسط الأجل سيعزز قدرة الحكومة على تحليل سياسة المالية العامة ووضع تنبؤات بشأنها، مما يدعم تقييم خيارات الإصلاح بدقة، وفي ظل هذا الإطار متوسط الأجل للمالية العامة، من شأن اعتماد قاعدة مالية تقوم على الرصيد الأولي الهيكلي غير النفطي أن تحقق الانضباط لسياسة المالية العامة، ومعايرتها بالشكل الملائم لتحقيق أهدافها المتعلقة بالاستقرار المضاد للاتجاهات الدورية والعدالة بين الأجيال.
10 - ويعد التعجيل بتمرير قانون الدين العام الجديد أمراً بالغ الأهمية، ففي غياب قانون يسمح بالاقتراض، أو سلطة قانونية للسحب من صندوق احتياطي الأجيال القادمة، ظل تمويل المالية العامة معتمدا على السحب من صندوق الاحتياطي العام وهو أصغر بكثير، ويُحَبَّذ تمرير قانون الدين العام الجديد لتسهيل تمويل المالية العامة على نحو منظم من خلال إصدار السندات السيادية، مع دعم تطوير سوق السندات المحلية.
11 - ويظل ربط سعر الصرف بسلة عملات غير معلنَة نظاما يشكل ركيزة اسمية ملائمة للسياسة النقدية، فقد حافظ على انخفاض معدل التضخم واستقراره لسنوات طويلة، بينما منح البنك المركزي الكويتي بعض الا°ستقلالية فيما يخص سياسته النقدية.
12 - ساهمت الإجراءات الرقابية الحصيفة المتبعة من قبل بنك الكويت المركزي في الحفاظ على استقرار النظام المصرفي، فقد كشف تشديد السياسة النقدية عالميا عن نقاط ضعف في بعض الأنظمة المصرفية للاقتصادات المتقدمة.
وفي حالة حدوث حالة من عدم الاستقرار المالي المؤثر على النظام العالمي، قد تواجه البنوك النشطة على المستوى الدولي بالكويت ارتفاعا في تكاليف التمويل بالدولار بين البنوك، وهو ما سيحد من قدرتها على تقديم الائتمان.
وفي نفس الوقت، فإن ارتفاع أسعار الفائدة يدفع إلى اكتمال دورة الائتمان المحلي.
ولإدارة هذه المخاطر الناشئة على الاستقرار المالي على نحو استباقي، ينبغي أن يواصل بنك الكويت المركزي مراقبة سيولة التمويل بالدولار من البنوك وجودة الائتمان فيها عن قُرب.
والآن، مع سحب كل إجراءات دعم التنظيم المالي ذات الصلة بالجائحة، يمكن لبنك الكويت المركزي النظر في تفعيل احتياطي مواجهة التقلبات الدورية.
13 - وينبغي أن تستمر سياسات القطاع المالي في التكيف مع التغير الهيكلي، ومن الجدير بالثناء أن البنك المركزي الكويتي يخطط لمراجعة مدى كفاية نطاق التنظيم المالي ومجموعة أدوات سياسة السلامة الاحترازية الكلية بصورة منتظمة، كما يخطط للاستمرار في إجراء اختبارات الضغط بانتظام للتأكد من صلابة الجهاز المصرفي في مواجهة المخاطر الناشئة على الاستقرار المالي.
يجب الاستعاضة تدريجيا عن الضمان الشامل للودائع المصرفية المعمول به حاليا بإطار محدود لتأمين الودائع من أجل معالجة الخطر الأخلاقي، وينبغي في نفس الوقت إلغاء الحد الأقصى لأسعار الفائدة على القروض التجارية بالتدريج لدعم كفاءة تسعير المخاطر وتقديم الائتمان للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
14 - لابد من تعزيز النمو وزيادة فرص العمل في القطاع الخاص غير النفطي، فعلى مدى الخمس سنوات القادمة، سوف ينضم إلى القوى العاملة 100 ألف شاب كويتي، حسبما تنطوي عليه الخصائص الديموغرافية، ونظرا للحاجة إلى ضبط أوضاع المالية العامة والاتجاهات العامة العالمية لخفض انبعاثات الكربون، ينبغي لمعظم الداخلين الجدد من هذه القوى العاملة الانضمام إلى القطاع الخاص غير النفطي.
15 - ويتعين وضع حزمة إصلاحات هيكلية لزيادة إنتاجية العامل وتعزيز النمو غير النفطي بقيادة القطاع الخاص، وينبغي تنفيذ حزمة شاملة من الإصلاحات الهيكلية وفق تسلسل دقيق لتعزيز النمو القوي والمستدام مع تعزيز إنتاجية العامل وتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، ومن أجل تحقيق الكفاءة في الاستفادة من القوى العاملة الكويتية التي نالت قسطا جيدا من التعليم، يتعين إجراء إصلاحات في سوق العمل لتحفيز المواطنين على السعي للعمل في القطاع الخاص.
16 - ينبغي مواصلة تعزيز خطط التكيف مع تغير المناخ وتخفيف آثاره وتنفيذها، ونصت «خطة التكيف الوطنية للدولة 2019–2030» على إجراءات لمعالجة آثار موجات الحر المتطرفة على الصحة والإنتاجية، ولا يزال يتعين ترجمة خطة التكيف هذه إلى مشروعات استثمارية، والتي ينبغي تنفيذها بعد الحصول على موافقة مجلس الأمة.
ولتخفيف حدة آثار تغير المناخ العالمي، التزمت الكويت في ظل «اتفاقية باريس» بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بمقدار 7.4% بحلول عام 2035 نسبيا إلى المسار المعتاد.
وبالنظر إلى المستقبل، تنص الخطة كذلك على الوصول بصافي انبعاثات غاز الاحتباس الحراري إلى الصفر في قطاع النفط بحلول عام 2050، وعلى مستوى الاقتصاد كله بحلول عام 2060.
ولتحقيق أهداف الانبعاثات المذكورة، يتعين أن تنتهي الكويت من وضع خطتها لتخفيف آثار المناخ، والتي ينبغي أن تتضمن الإلغاء المرحلي لإعانات الدعم على الوقود الأحفوري (والاستعاضة عنها بدعم الدخل الموجه للأسر محدودة الدخل) وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية لتوليد الكهرباء القائدة على مصادر الطاقة المتجددة.
17 - يتعين تنفيذ إصلاحات الحوكمة لمعالجة مخاطر الفساد، نظرا للتأخر الذي أفضت إليه الجائحة، وينبغي التعجيل بتنفيذ «الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد» 2019–2024، بما فيها تدابيرها الرامية إلى تعزيز الامتثال لنظام التصريح عن الذمة المالية، فضلا عن تعزيز نزاهة المشتريات العامة ورفع مستوى كفاءتها.
وعلاوة على ذلك، ينبغي أن تواصل الحكومة تعزيز إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تماشيا مع توصيات فرق العمل للإجراءات المالية المعنية بغسل الأموال، بما فيها عناصر حق الانتفاع.