لا تزال المحركات الأساسية للنشاط الاستهلاكي قوية، بما في ذلك النمو المتواصل لمعدلات التوظيف، والتدابير الحكومية، والتركيبة السكانية الإيجابية، هذا بجانب ارتفاع معدلات الإنفاق بوتيرة ثابتة من جديد في الربع الأول من العام الحالي.

إلا أن معدّل النمو قد يتراجع مقارنة بالفترات السابقة، إذ تلاشت آثار التحفيز الحكومي الذي شهدناه في وقت سابق، إضافة إلى هدوء وتيرة انتعاش الطلب بعد الجائحة.

Ad

وحسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، قد يستمر الإنفاق الاستهلاكي في الاستفادة من خطة الحكومة التي تهدف إلى الحفاظ على سياسة مالية توسعية بدعم من ارتفاع الإيرادات النفطية، إلّا أن نموّ الإنفاق قد يتجه نحو الاعتدال مستقبلا في المدى القصير، مع تذبذب وضعف بيئة الاقتصاد الكلي العالمي، واستمرار السياسة النقدية الأكثر تشدداً، مما قد يؤثر على ثقة المستهلك.

مرونة الإنفاق العام تحافظ على أدائه القوي رغم تباطؤ وتيرة النمو

نما الإنفاق الاستهلاكي، الذي يقاس بإجمالي معاملات البطاقات المصرفية، (بما في ذلك عمليات السحب النقدي من أجهزة السحب الآلي)، بنسبة 14 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول من العام الحالي، أي بنفس المعدل المسجل في الربع السابق، وبنسبة 3.8 بالمئة على أساس ربع سنوي.

في حين تباطأت وتيرة النمو مقارنة بمستويات الذروة التي تخطّت أكثر من 30 بالمئة بداية العام الماضي، إلا أن النمو لا يزال قوياً مقارنة بمستويات ما قبل عام 2019، إذ بلغ في المتوسط 7 بالمئة على أساس سنوي خلال الفترة الممتدة ما بين 2014 و2019.

ويشير الاتجاه الأوّلي للإنفاق الخارجي الذي تزايد بصفة خاصة في أعقاب رفع القيود المتعلقة بالجائحة إلى استقراره الآن عند مستويات «طبيعية».

وقفزت معاملات البطاقات المصرفية خارج الكويت بنسبة 20 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2023 (مقابل نمو بنسبة 7 بالمئة في الربع الرابع من عام 2022)، وهو الربع الذي اتسم بالتزايد الشديد لمعدلات السفر إلى الخارج، بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني، وعلى الرغم من ذلك، لا تزال مساهمة الإنفاق الخارجي أقل من 6 بالمئة من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي. وعلى صعيد الإنفاق المحلي، فقد تراجع النمو إلى 13 بالمئة على أساس سنوي.

ائتمان الأسر

يقدّم الإقراض لقطاع الأسر (باستثناء الائتمان الممنوح لشراء الأوراق المالية) دعماً قوياً للإنفاق الاستهلاكي، وقد شهد معدل نمو ائتمان قطاع الأسر ضعفاً خلال الأرباع الأخيرة، لكنه نما بنسبة 7 بالمئة على أساس سنوي بنهاية الربع الأول من عام 2023 (مقابل 14 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2022)، في ظل الأوضاع النقدية الأكثر تشدداً.

من جهة أخرى، تباطأت وتيرة نمو الإقراض الموجّه إلى «القروض الاستهلاكية»، باستبعاد القروض السكنية وربما يكون وثيق الصلة بشراء السلع الاستهلاكية المعمّرة، إلى 5.7 بالمئة بنهاية الربع الأول من العام، مقارنة بمستويات الذروة التي بلغت 15.1 بالمئة في بداية العام الماضي.

التعداد السكاني والتوظيف

شهد النمو السكاني وسوق العمل نمواً كبيراً عام 2022 تزامناً مع عودة بعض الوافدين للبلاد بعد مغادرتهم على خلفية الأوضاع المرتبطة بالجائحة.

وقد لا يكون الدعم الذي يتلقاه الاستهلاك الخاص نتيجة لنمو القوى العاملة والتعداد السكاني، على الرغم من اعتباره بلا شك من العوامل الإيجابية، واضحاً للغاية، نظراً إلى أن معظم الزيادات الأخيرة التي شهدتها أعداد العمالة الوافدة والوظائف تتركز في القطاعات الكثيفة العمالة، وربما الوظائف ذات الدخل المنخفض.

إلا أن استمرار نمو معدلات التوظيف بوتيرة مرتفعة بين صفوف المواطنين الكويتيين يعتبر من أبرز المحركات الجوهرية لنمو الاستهلاك.

ووفقاً للبيانات الصادرة عن الهيئة العامة للمعلومات المدنية، بلغ التعداد السكاني في الكويت 4.74 ملايين نسمة عام 2022، بنمو نسبته 8 بالمئة على أساس سنوي، إذ ارتفع عدد الوافدين بنسبة 11.1 بالمئة على أساس سنوي، متجاوزاً نمو المواطنين (+1.9 بالمئة).

ونما إجمالي التوظيف بنسبة 8.1 بالمئة خلال الأشهر الـ 6 الأخيرة من عام 2022 على خلفية عودة بعض وظائف الوافدين بعد استئناف النشاط الاقتصادي في أعقاب الجائحة.

إلا أن مستويات العمالة الوافدة لا تزال أقل بكثير من الذروة المسجلة عام 2019 في العديد من القطاعات، مما يشير إلى أننا لم نصل إلى مستوى التعافي الكامل بعد.

تراجع معنويات المستهلكين

وفقاً لمؤشر ثقة المستهلك التابع لشركة آراء للبحوث والاستشارات، تراجعت ثقة المستهلك.

إذ ساهمت المخاوف المتزايدة تجاه آفاق نمو الاقتصاد العالمي واعتدال أسعار النفط في تراجع قراءة المؤشر أخيراً.

ورغم التقلّب بمؤشر السلع المعمرة (السلع الاستهلاكية)، إلا أنه تراجع أيضاً على نطاق واسع.

ويعكس تراجع ثقة المستهلك بصفة عامة تباطؤ وتيرة نمو النشاط الاستهلاكي.

ارتفاع معدل التضخم

بلغ معدل التضخم في أبريل 3.7 بالمئة على أساس سنوي دون تغيّر يُذكر عن مارس، إلا انه ارتفع من 3.2 بالمئة بنهاية عام 2022.

وارتفعت أسعار المستهلكين على خلفية تجدد بعض الضغوط هذا العام عبر العديد من الفئات الرئيسية، بما في ذلك المواد الغذائية والمشروبات والملابس وخدمات السكن.

وقد تفسر العوامل الموسمية المتعلقة بشهر رمضان جزءاً من تلك الزيادة. إلا أن الاتجاه العام للتضخم الذي نتوقعه للفترة المتبقية من العام الحالي تشير إلى اعتدال وتيرته على خلفية تراجع النشاط الاستهلاكي.