دارت في الفترة الماضية وعلى نطاق واسع نقاشات في الأوساط السياسية والاقتصادية تمحور معظمها حول العوائد، التي تحققها الدولة من أملاكها العقارية والأراضي الممنوحة على شكل حيازات وعقود انتفاع للقطاع الخاص من شركات ومستثمرين، في وقت تتطلب الميزانية العامة للدولة تعزيزاً للإيرادات غير النفطية.
وتركزت النقاشات على ما تحققه هذه الأملاك لخزينة الدولة من إيرادات ضئيلة جداً مقارنة بقيمتها الأصلية أو عائداتها الحقيقية، إذ يصل ما تحصله الدولة نظير أملاكها وأراضيها لنحو 170 مليون دينار أي ما يعادل نحو 10 في المئة فقط من إجمالي الإيرادات غير النفطية، حسب بيانات آخر حساب ختامي على موقع وزارة المالية للسنة 2020-2021.
أبعاد اقتصادية
ورغم أهمية الحديث عن الإيراد المالي لهذه الأملاك العقارية، التي صنفها تقرير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بليرعام 2009 كثاني أكبر مصدر ثروة في البلاد بعد النفط، فإن ثمة منافع وأهدافاً اقتصادية أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار عند مناقشة ملف أصول الدولة العقارية وكيفية الاستفادة منها... لأن اقتصار المناقشة على الجانب المالي يجب ألا يغفل الأبعاد التي يمكن أن تحقق أهدافاً بعيدة المدى للعديد من اختلالات البلاد الاقتصادية. ففيما تتضمن أملاك الدولة 8200 قسيمة زراعية وإنتاج حيواني و6600 قسيمة صناعية و30 سوقاً ومجمعاً تجارياً و2987 شاليهاً و10 مستشفيات و13 منتزهاً وحديقة و6 مراكز خدمة و5 مسالخ و24 موقف سيارات، فإن معظم هذه الأملاك مؤهل للعب أدوار اقتصادية أعمق من مجرد تحصيل الإيرادات المالية.
الأراضي للشباب
وأول هذه الأدوار أن تكون أملاك الدولة أساساً لتوفير فرص عمل للمبادرين من الشباب الكويتيين الذين يعانون جراء شح الأراضي أو ارتفاع أسعارها بشكل يستهلك ما بين ثلث إلى نصف رأسمال أي مشروع صغير أو متوسط في سداد الإيجارات أو «الخلوات» مما يعرقل فئة كبيرة منهم عن المبادرة، بالتالي يفقد الاقتصاد الكويتي جانباً مهماً من فرصة تعديل اختلال سوق العمل بسبب احتكار أراضي الدولة وما يترتب عليه من ارتفاع حاد في الأسعار... والعبرة هنا أن يكون منح القسيمة من الدولة للمشغل مباشرة « أوالمطور» دون وسطاء عقود الباطن بحيث تحصل الدولة على عوائد مالية أعلى مما تحصله حالياً ويدفع المستثمر - المبادر قيمة إيجارية أقل مما يدفعه حالياً.
استغلال الباطن
ولا شك أن لسلاسل عقود الإيجار بالباطن، التي تنتشر في مختلف المناطق الصناعية كلفة مرتفعة على المستثمر أو المشغل الحقيقي، مما يتسبب بارتفاع تكلفة التشغيل، فارتفاع أسعار السلع والخدمات في السوق؛ بالتالي التضخم، وهذه من المثالب في ملف أملاك الدولة التي تتطلب موقفاً لمنع ظاهرة ذات أبعاد احتكارية وآثار تضخمية تضر المبادرين والمستهلكين في السوق، ربما بشكل أعمق مما يتسبب فيه ضرر عدم تحصيل الدولة لإيرادات واقعية من أملاكها. جودة الخدمة من المسائل المهمة عند مناقشة ملف أملاك الدولة هو ضرورة التقيد بنوع الرخصة التي منحت الدولة على أساسها الأرض للمستثمر أو المطور بسعر تفضيلي زهيد، في حين يبين الواقع أن العديد من هذه الأراضي الصناعية والحرفية تحولت إلى أسواق ومطاعم ومقاهٍ ومجمعات تجارية واستثمارية لا علاقة لها بأصل النشاط، مما يحرم الدولة من حاجتها مما يعرف بـ «جودة الخدمة» أو حتى توفرها من الأساس أكثر من ما يحرمها عوائد مالية مستحقة... كذلك من المهم تنظيم عملية بيع حقوق الانتفاع لأملاك الدولة، ليس من زاوية القيمة المالية التي لا تحصل الدولة منها إلا على مبلغ زهيد، إنما أيضاً في مدى انطباق الشروط التنظيمية والتشغيلية على المنتفع الجديد.
وبنظرة أشمل، يمكن أن تكون أملاك الدولة نقطة تحول لمشاريع اكبر كأن تكون حيازات الزراعة والثروة الحيوانية، التي طالها الكثير من العبث، نقطة أساس لمشروع تحقيق الأمن الغذائي أو أن تتحول الشاليهات لبداية مشاريع تتعلق بتوطين السياحة الداخلية واستقطاب العائلات الخليجية، علاوة على إلزام الهيئات الحكومية باستغلال أملاك الدولة «المدارس - الكليات» غير المستغلة كمقرات لها عوضاً عن تأجير الأبراج التجارية كنوع من نشر ثقافة ضبط الهدر المالي.
احتياجات المستهلكين
لقد مر على البلاد خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في جائحة كورونا إلى الحرب الروسية - الأوكرانية، العديد من الدروس التي تتطلب خفضاً لانكشاف الدولة على حاجياتها الاستهلاكية لا سيما الغذائية والدوائية، فالكويت منكشفة بشكل كبير على العالم في مسألة احتياجات المستهلكين الضرورية، فهي تستورد سنوياً 90 في المئة من الخارج، وتستورد أيضاً 70 في المئة من الأدوية والمستلزمات الطبية، بالتالي فإن احتمالات التعرض لمخاطر عالية عند حدوث الأزمات العالمية مرتفع، وهو أمر يجب أن ينبه إلى أهمية توطين العديد من هذه الصناعات الخاصة بالأمن الغذائي تحديداً، التي تتبين أهميتها عند تنامي السياسات الحمائية في الدول المنتجة أو تصاعد أزمات سلاسل الإمداد. ومع ذلك، كانت عوائد الحيازات الزراعية أو حيازات الإنتاج الحيواني على الأمن الغذائي أقل بكثير مما تقدمه الدولة من دعومات فلا تحقق الكويت إلا 42 في المئة من احتياجاتها من المنتجات الزراعية و21 في المئة من احتياجاتها من اللحوم الحمراء.
الأرض ليست ثروة
ربما في الكويت فقط يعني الحصول على أرض صناعية أو حرفية أو حتى زراعية من الدولة ثروة، حتى قبل تشغيل النشاط، وهذه فكرة منحرفة تستمد قوتها من ندرة الأراضي وسهولة تنظيم الاحتكارات وأيضاً إمكانية تمرير المخالفات، وفي الحقيقة لا يمكن للدولة أن تحارب هذه الظاهرة مهما اتخذت من إجراءات إلا من خلال توفير الأراضي الصناعية والزراعية والحرفية للمبادرين... دعماً لتكويت سوق العمل وجودة الخدمة وخفض تكاليف التشغيل وبالتالي الأسعار والتضخم.
إن التعامل مع أملاك الدولة ضمن المنظور المالي رغم أهميته يجب ألا يغفلنا عن مناقشة الأبعاد الاقتصادية ذات المنفعة الأطول زمناً والأكثر استدامة.
وتركزت النقاشات على ما تحققه هذه الأملاك لخزينة الدولة من إيرادات ضئيلة جداً مقارنة بقيمتها الأصلية أو عائداتها الحقيقية، إذ يصل ما تحصله الدولة نظير أملاكها وأراضيها لنحو 170 مليون دينار أي ما يعادل نحو 10 في المئة فقط من إجمالي الإيرادات غير النفطية، حسب بيانات آخر حساب ختامي على موقع وزارة المالية للسنة 2020-2021.
أبعاد اقتصادية
ورغم أهمية الحديث عن الإيراد المالي لهذه الأملاك العقارية، التي صنفها تقرير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بليرعام 2009 كثاني أكبر مصدر ثروة في البلاد بعد النفط، فإن ثمة منافع وأهدافاً اقتصادية أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار عند مناقشة ملف أصول الدولة العقارية وكيفية الاستفادة منها... لأن اقتصار المناقشة على الجانب المالي يجب ألا يغفل الأبعاد التي يمكن أن تحقق أهدافاً بعيدة المدى للعديد من اختلالات البلاد الاقتصادية. ففيما تتضمن أملاك الدولة 8200 قسيمة زراعية وإنتاج حيواني و6600 قسيمة صناعية و30 سوقاً ومجمعاً تجارياً و2987 شاليهاً و10 مستشفيات و13 منتزهاً وحديقة و6 مراكز خدمة و5 مسالخ و24 موقف سيارات، فإن معظم هذه الأملاك مؤهل للعب أدوار اقتصادية أعمق من مجرد تحصيل الإيرادات المالية.
الأراضي للشباب
وأول هذه الأدوار أن تكون أملاك الدولة أساساً لتوفير فرص عمل للمبادرين من الشباب الكويتيين الذين يعانون جراء شح الأراضي أو ارتفاع أسعارها بشكل يستهلك ما بين ثلث إلى نصف رأسمال أي مشروع صغير أو متوسط في سداد الإيجارات أو «الخلوات» مما يعرقل فئة كبيرة منهم عن المبادرة، بالتالي يفقد الاقتصاد الكويتي جانباً مهماً من فرصة تعديل اختلال سوق العمل بسبب احتكار أراضي الدولة وما يترتب عليه من ارتفاع حاد في الأسعار... والعبرة هنا أن يكون منح القسيمة من الدولة للمشغل مباشرة « أوالمطور» دون وسطاء عقود الباطن بحيث تحصل الدولة على عوائد مالية أعلى مما تحصله حالياً ويدفع المستثمر - المبادر قيمة إيجارية أقل مما يدفعه حالياً.
استغلال الباطن
ولا شك أن لسلاسل عقود الإيجار بالباطن، التي تنتشر في مختلف المناطق الصناعية كلفة مرتفعة على المستثمر أو المشغل الحقيقي، مما يتسبب بارتفاع تكلفة التشغيل، فارتفاع أسعار السلع والخدمات في السوق؛ بالتالي التضخم، وهذه من المثالب في ملف أملاك الدولة التي تتطلب موقفاً لمنع ظاهرة ذات أبعاد احتكارية وآثار تضخمية تضر المبادرين والمستهلكين في السوق، ربما بشكل أعمق مما يتسبب فيه ضرر عدم تحصيل الدولة لإيرادات واقعية من أملاكها. جودة الخدمة من المسائل المهمة عند مناقشة ملف أملاك الدولة هو ضرورة التقيد بنوع الرخصة التي منحت الدولة على أساسها الأرض للمستثمر أو المطور بسعر تفضيلي زهيد، في حين يبين الواقع أن العديد من هذه الأراضي الصناعية والحرفية تحولت إلى أسواق ومطاعم ومقاهٍ ومجمعات تجارية واستثمارية لا علاقة لها بأصل النشاط، مما يحرم الدولة من حاجتها مما يعرف بـ «جودة الخدمة» أو حتى توفرها من الأساس أكثر من ما يحرمها عوائد مالية مستحقة... كذلك من المهم تنظيم عملية بيع حقوق الانتفاع لأملاك الدولة، ليس من زاوية القيمة المالية التي لا تحصل الدولة منها إلا على مبلغ زهيد، إنما أيضاً في مدى انطباق الشروط التنظيمية والتشغيلية على المنتفع الجديد.
وبنظرة أشمل، يمكن أن تكون أملاك الدولة نقطة تحول لمشاريع اكبر كأن تكون حيازات الزراعة والثروة الحيوانية، التي طالها الكثير من العبث، نقطة أساس لمشروع تحقيق الأمن الغذائي أو أن تتحول الشاليهات لبداية مشاريع تتعلق بتوطين السياحة الداخلية واستقطاب العائلات الخليجية، علاوة على إلزام الهيئات الحكومية باستغلال أملاك الدولة «المدارس - الكليات» غير المستغلة كمقرات لها عوضاً عن تأجير الأبراج التجارية كنوع من نشر ثقافة ضبط الهدر المالي.
احتياجات المستهلكين
لقد مر على البلاد خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في جائحة كورونا إلى الحرب الروسية - الأوكرانية، العديد من الدروس التي تتطلب خفضاً لانكشاف الدولة على حاجياتها الاستهلاكية لا سيما الغذائية والدوائية، فالكويت منكشفة بشكل كبير على العالم في مسألة احتياجات المستهلكين الضرورية، فهي تستورد سنوياً 90 في المئة من الخارج، وتستورد أيضاً 70 في المئة من الأدوية والمستلزمات الطبية، بالتالي فإن احتمالات التعرض لمخاطر عالية عند حدوث الأزمات العالمية مرتفع، وهو أمر يجب أن ينبه إلى أهمية توطين العديد من هذه الصناعات الخاصة بالأمن الغذائي تحديداً، التي تتبين أهميتها عند تنامي السياسات الحمائية في الدول المنتجة أو تصاعد أزمات سلاسل الإمداد. ومع ذلك، كانت عوائد الحيازات الزراعية أو حيازات الإنتاج الحيواني على الأمن الغذائي أقل بكثير مما تقدمه الدولة من دعومات فلا تحقق الكويت إلا 42 في المئة من احتياجاتها من المنتجات الزراعية و21 في المئة من احتياجاتها من اللحوم الحمراء.
الأرض ليست ثروة
ربما في الكويت فقط يعني الحصول على أرض صناعية أو حرفية أو حتى زراعية من الدولة ثروة، حتى قبل تشغيل النشاط، وهذه فكرة منحرفة تستمد قوتها من ندرة الأراضي وسهولة تنظيم الاحتكارات وأيضاً إمكانية تمرير المخالفات، وفي الحقيقة لا يمكن للدولة أن تحارب هذه الظاهرة مهما اتخذت من إجراءات إلا من خلال توفير الأراضي الصناعية والزراعية والحرفية للمبادرين... دعماً لتكويت سوق العمل وجودة الخدمة وخفض تكاليف التشغيل وبالتالي الأسعار والتضخم.
إن التعامل مع أملاك الدولة ضمن المنظور المالي رغم أهميته يجب ألا يغفلنا عن مناقشة الأبعاد الاقتصادية ذات المنفعة الأطول زمناً والأكثر استدامة.