وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس، إلى السعودية، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، في زيارة تستمرّ 3 أيام، وترمي إلى تعزيز العلاقات المتوترة مع المملكة الغنية بالنفط، التي تسعى إلى توسيع علاقاتها مع خصوم واشنطن، وذلك بالتزامن مع افتتاح طهران سفارتها في الرياض.

وحطت طائرة بلينكن في مدينة جدّة المطلّة على البحر الأحمر، في أول زيارة له إلى المملكة منذ أن قررت الرياض وطهران استئناف علاقاتهما الدبلوماسية، في اتفاق رعته الصين خلال مارس الماضي، بعد قطيعة استمرّت 7 سنوات.

Ad

وعشية رحلة بلينكن، قال المسؤول الأميركي الرفيع في «الخارجية»، والمكلّف شؤون شبه الجزيرة العربية، دانيال بنايم، في تصريح صحافي: «نركّز على أجندة متوافق عليها والقدر الكبير من العمل الذي يمكن لبلدينا إنجازه معًا».

وسوف تركّز المباحثات على العلاقات الاستراتيجية والجهود الرامية إلى إنهاء النزاعات في السودان واليمن، والمعركة المشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وعلاقات الدول العربية مع إسرائيل.

وتأتي الزيارة في خضمّ تغيّر سريع لمشهد التحالفات في الشرق الأوسط بدأ منذ نحو 3 أشهر مع الاتفاق السعودي - الإيراني، الذي أحيا الآمال بحلّ نزاعات في المنطقة تقف أوّل قوّتين إقليميّتين في الخليج على طرفَي نقيض فيها.

وقبيل وصول بلينكن، أعادت إيران، العدو اللدود للولايات المتحدة، فتح سفارتها في الرياض بحضور سفيرها المعيّن علي عنايتي. وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، أمس الأول: «إذا أدى إعادة فتح السفارة الإيرانية في الرياض إلى مزيد من الشفافية حول أفعالهم وأسبابها، وتخفيف التوتر وتقليل أعمال طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، بما في ذلك اعتراض السفن بمضيق هرمز، فسيكون ذلك تطوراً إيجابيًا».

وقد شملت سلسلة الانفراجات الدبلوماسية التي شهدتها المنطقة إعادة الرئيس السوري بشار الأسد، حليف إيران، إلى جامعة الدول العربية، بعد عزلة استمرّت أكثر من عقد على خلفية النزاع في بلده.

وفي سياق انفتاح الرياض على خصوم واشنطن، استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أمس الأول، الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، واستعرضا خلال اللقاء «العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، وآفاق التعاون وفرص تعزيزه في مختلف المجالات»، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس).

ومن المتوقع أن يلتقي بلينكن ولي العهد، وفق مسؤول أميركي، لكن السعوديين لم يؤكدوا اللقاء بعد.

وينتقل بلينكن اليوم إلى الرياض لحضور اجتماع لمجلس التعاون الخليجي، قبل أن يترأّس مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان اجتماعًا للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية الذي أُنشئ عام 2014، ويضم عشرات الدول.

وفي السنوات الأخيرة، توتّرت العلاقات الأميركية - السعودية بسبب قتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، ورفض أكبر مصدّر نفط في العالم المساهمة في تخفيف ارتفاع أسعار الطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وكانت السعودية وهي من أبرز البلدان الاعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، قد أعلنت، الأحد، أنها ستقوم بتنفيذ خفض طوعي إضافي في إنتاجها من النفط الخام مقداره مليون برميل يوميًا ابتداء من يوليو، متجاهلةً بذلك الدعوات الأميركية السابقة لزيادة الإنتاج.

غير أنّ الرياض وواشنطن تواصلان التنسيق، خصوصًا في مجال الدفاع، إذ إن الرياض تشتري بشكل دائم أسلحة أميركية متطوّرة. وتعاون دبلوماسيّو البلدين بشكل وثيق في الجهود الرامية إلى التوصل لوقف إطلاق نار في النزاع الدائر منذ 8 أسابيع في السودان، إلّا أنها باءت بالفشل حتى الآن، كما أن المملكة لعبت دورًا محوريًا في إجلاء آلاف الأجانب من السودان إلى أراضيها.

وينخرط الحليفان أيضًا في المعركة ضد تنظيم داعش، الذي رغم هزيمته في الشرق الأوسط، فإنّه لا يزال نشطًا في بعض الدول الإفريقية. ويُتوقّع أن تشغل جهود السلام في اليمن حيّزًا كبيرًا من المحادثات بين بلينكن والسعوديين. وتقود السعودية منذ 2015 تحالفًا عسكريًا داعمًا للحكومة اليمنية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

لكن في الآونة الأخيرة، أجرى وفد سعودي محادثات مع الحوثيين في صنعاء، العاصمة اليمنية الخاضعة لسيطرة المتمرّدين، لمحاولة التوصل إلى هدنة، كما جرى تبادل كبير لأسرى بين الطرفين استمرّ 3 أيام.

وتأمل الولايات المتحدة، أيضًا، أن تطبّع السعودية العلاقات مع إسرائيل، التي سبق أن طبّعت دول عربية عدة، من بينها الإمارات والبحرين، علاقاتها معها عام 2020 بموجب اتفاقات رعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وعشية زيارته السعودية، قال بلينكن إنه «لدى الولايات المتحدة مصلحة فعلية على صعيد الأمن القومي في إرساء تطبيع بين إسرائيل والسعودية».

وأضاف: «نستطيع وعلينا أن نؤدي دورًا كاملًا للمُضي قُدمًا في هذه المسألة»، لكنّه تدارك أن «ليست لديه أي أوهام لجهة إمكان القيام بذلك سريعًا أو بشكل سهل». ولطالما اشترطت السعودية للتطبيع مع إسرائيل الاعتراف بدولة فلسطينية، مطالبةً الولايات المتحدة بتوفير ضمانات أمنية.