«يا ست»... من أجل عينيك عشقت الهوى
أنا من جيل تربى على سماع أغاني «الست» أم كلثوم، فهي أيقونة الطرب العربي الأصيل، كل قصيدة غنتها وراءها ملحن عظيم وكاتب ملهم، وقد قرأت موسوعة فكتور وشقيقه إلياس سحاب عن سيرتها وأغانيها وهو كتاب شامل ومرجعي لتاريخ أم كلثوم الفني والموسيقي والغنائي، وقرأت كتاب الزميل حازم صاغية «الهوى دون أهله».
شاءت المصادفات أن ألتقي شاباً مصرياً جاء إلى الكويت لعمل ندوة ومعرض عن كتابه «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي» وكان للصديق إبراهيم فرغلي فضل بتعريفي به عندما تزامنت ندوته في معرض كاب سات، مع ندوة كنت أشارك فيها حول توثيق التاريخ الشفهي والذي أعدته الزميلة ريم العلي مع شريكها المحميد وتبنته مكتبة الجامعة الأميركية في الكويت.
أم كلثوم تعدت دور الطرب والغناء، وهي لم تنفصل عن الواقع السياسي لمصر، ولم تكن بعيدة عن المتغيرات التي لحقت بالمجتمع منذ ثورة 1952 في عهد عبدالناصر وما قبله، فشاركت وتفاعلت في كل عيد ومهرجان، كما يقول مؤلف الكتاب وكان صوتها حاضراً في كل مناسبة وطنية أو قومية استطاعت تدعيم علاقاتها برجال ثورة يوليو، وتجاوزت كونها مطربة العهد الملكي وصاحبة العصمة السابقة، إلى تصدير صورة عن نفسها كسيدة مصر الأولى، وصوتاً لثورتها ورمزاً لقوميتها ووحدتها العربية.
ارتبطت بعلاقة وثيقة مع الزعيم عبدالناصر ومحبته الشخصية لها كنموذج لمصرية صعدت بقوة الموهبة إلى قمة الهرم الاجتماعي، وكنت شاهداً على عصر أم كلثوم، ففي أول أسبوع من كل شهر نجتمع حول إذاعة صوت العرب، لنستمع إلى حفلتها التي تذاع على الهواء مباشرة، فكانت شهرتها وقتها تفوق شهرة وتأثير جمال عبدالناصر.
الكتاب، كما جاء في تقديم د. فكتور سحاب، يطرح علاقة كوكب الشرق، في السنوات التي فصلت بين نكسة يونيو 1967 واعتزالها الغناء، وصاغ كريم جمال صاحب الكتاب، الرواية التاريخية لحملة أم كلثوم القومية في مصر والبلدان العربية ومنها دولة الكويت، وحتى في باريس، تحت شعار «إزالة آثار العدوان»، والكتاب شديد الأهمية في تناوله للعلاقة بين الفن والسياسة، أي بين المشاعر الوطنية والقومية وبين الثقافة، على حد تعبير فكتور سحاب.
ما يهمنا أن هذا الجهد الذي بذله المؤلف لم يسبقه إليه أحد، فقد قرأ وجمع ورصد وتابع، كل حفلات الست التي أقامتها دعماً للمجهود الحربي في باريس والمغرب وتونس وليبيا ولبنان والكويت والإمارات، والتي أقبل فيها محبو صوت أم كلثوم لسماع غنائها، لكن أيضاً قدموا تبرعاً للمجهود الحربي المصري من أجل إزالة آثار عدوان 5 يونيو 1967.
تغيرت الظروف السياسية بعد أن دخلت عواصم عربية كبرى وفيها القاهرة حلبة «التطبيع والتطويع» مع كيان دخيل كان يصنف «عدواً»!! واليوم نعيش في عصر التدجين لذلك صارت أم كلثوم ودورها القومي في خانة الذكريات التاريخية.
السفيرة في الكويت، عنوان الفصل الخاص الذي روى فيه قصة الحفلات التي أقامتها، الأولى يوم الاثنين 25 فبراير 1963 في دار سينما الأندلس، وغنت «حيرت قلبي معاك» لأحمد رامي والسنباطي، و«حسيبك للزمن» لعبدالوهاب والسنباطي و«أنساك» لمأمون الشناوي وبليغ حمدي، والحفل الثاني أقامته في دار السينما نفسها يوم الأربعاء 27 فبراير، أي بعد يومين من الحفل الأول، فغنت فيه ثلاث وصلات، «هجرتك» لرامي والسنباطي، و«ظلمنا الحب» لعبدالوهاب وبليغ حمدي، و«هو صحيح الهوى غلاب» لبيرم التونسي وزكريا أحمد.
كما غنت أم كلثوم للكويت مرتين، الأولى عند الاستقلال في 19 يونيو 1961 حين سجلت قصيدة «دارنا يا دار» للشاعر أحمد العدواني والملحن رياض السنباطي، وفي هذه القصيدة قدمت تحية خاصة لأمير الكويت المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح، وهو الحاكم العربي الثاني بعد الملك عبدالعزيز آل سعود الذي غنّت له، ومن بين كلمات القصيدة «قالوا الكويتي استقل وبدره قد كمل اليوم... نلنا الأمل ودانت الأقدار في ظل الشمس الصباح زعيمنا للكفاح»، ثم في عالم 1964 قدمت قصيدة «أرض الجدود» وسجلتها في إذاعة القاهرة لتذاع في عيد الاستقلال الثالث، وجمع المؤلف كل المعلومات في هذا الفصل عن علاقة «الست» بالكويت.