يرى كثيرون أن قطاع التكنولوجيا سيواصل الهيمنة لبعض الوقت على اهتمام المستثمرين في الولايات المتحدة وأوروبا وبقية أجزاء العالم، ومع صعود سريع لتقنيات مثل الذكاء الاصطناعي بات البعض يرى أن القطاع سيكون من بين الأفضل أداء على مدى الأشهر، بل والسنوات القادمة. في خضم ذلك ربما لم يسمع الكثيرون عن اسم «إنفيديا»، لكن بفضل طفرة الذكاء الاصطناعي أصبحت الشركة واحدة من أكثر الشركات قيمة عبر التاريخ.

مؤخرا زاحمت «إنفيديا» الشركات الكبرى مثل «مايكروسوفت» و«ألفابت» و«ميتا» و«أمازون»، بعد أن انضمت إلى نادي التريليون دولار كقيمة سوقية لفترة وجيزة عقب ارتفاع سعر سهمها، والشركة هي الأولى في صناعة الرقائق التي تصل قيمتها السوقية لهذا الرقم. لذلك لم يكن غريبا أن تشهد صناديق أسهم التكنولوجيا أكبر تدفقات أسبوعية لها على الإطلاق في الأسبوع المنتهي في 31 مايو مدفوعة بزيادة اهتمام المستثمرين بالذكاء الاصطناعي وفقا لما ذكره قسم الأبحاث العالمية لدى «بنك أوف أميركا».

Ad

قفزة صاروخية

سجلت أسهم «إنفيديا» ارتفاعا صاروخيا إلى قيمة سوقية عند تريليون دولار نهاية الشهر الماضي، بعد إعلان الشركة أرباحا وفيرة في الربع الأول وتوقعات للإيرادات تجاوزت التقديرات بنسبة 50%، ما أجبر وول ستريت على إعادة تقييم المكاسب المفاجئة المحتملة التي ستجنيها صناعة الرقائق من طفرة الذكاء الاصطناعي.

وكانت أسهم الشركة في حالة ضعف شديد حين ارتفعت بفضل توقعات لطفرة في المبيعات بفضل الذكاء الاصطناعي. منذ إطلاق برنامج «تشات جي.بي.تي» في 30 نوفمبر 2022 تضخمت قيمة «إنفيديا» من حوالي 420 مليار دولار إلى مستواها الحالي قرب 970 مليار دولار. وضع تقييم «إنفيديا» الشركة في المركز الخامس بين أكبر الشركات الأميركية قيمة بعد «أبل» و«مايكروسوفت» و«ألفابت» و«أمازون».

وقالت «إنفيديا» إنها تتوقع أن تصل المبيعات في الربع الثاني إلى 11 مليار دولار مقارنة بـ7 مليارات كان يتوقعها المحللون في وول ستريت. وقال سي.جيه ميوس، المحلل لدى «إيفركور إنك»، إن الأرقام التي قدمتها «إنفيديا» أذهلت الجميع، مضيفا: «لم يتوقع أحد ذلك على الإطلاق».

وبالمقارنة من حيث القيمة، فإن ثاني أكبر شركة لصناعة الرقائق في العالم هي «تايوان لأشباه الموصلات» التي تُقدر قيمتها بنحو 535 مليار دولار.

وأدى الارتفاع السريع لأسهم «إنفيديا» إلى دفع تقييمها لتجاوز الشركات النظيرة وحفز المحللين على رفع السعر المستهدف لسهمها، ووضع أعلى سعر مستهدف تقييم الشركة عند 1.6 تريليون دولار لتصبح على قدم المساواة مع «ألفابت» المالكة لـ«غوغل». ورفع المحللون أيضا مضاعف الربحية الآجل للشركة، وهو معيار شائع لتقييم الأسهم إلى 47.49، وهو ما يزيد على نظيرتيها «كوالكوم» و«إنتل»، ويفوق حتى المتوسط الخاص بالقطاع البالغ 18.09 وفقا لبيانات «رفينيتيف».

وعلى الرغم من التقييم المرتفع لأسهمها، يقول محللون إن أنشطة رقائق الذكاء الاصطناعي لدى الشركة ما زال أمامها مجال للنمو، إذ إن تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي ما زالت في مرحلة ناشئة، في ظل توقعات باعتماد واسع النطاق عليها في السنوات القادمة.

طفرة الذكاء الاصطناعي

عملت «إنفيديا» على تطوير أنشطتها المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بشكل مطرد على مدى السنوات العديدة الماضية، لكن تسارع الاهتمام والاستثمار في القطاع على مدى الستة أشهر الفائتة أدى إلى زيادة ضخمة لمبيعاتها.

وتعتمد أجهزة الكمبيوتر الكبيرة، التي تعالج البيانات وتشغل عمليات الذكاء الاصطناعي التوليدي، على رقائق قوية يطلق عليها وحدات معالجة الرسوميات أو «جي بي يو)، وتنتج «إنفيديا» حوالي 80% من تلك الوحدات وفقا للمحللين.

ويتم تصميم وحدات معالجة الرسوميات للتعامل مع نوع معين من الرياضيات الداخلة في حوسبة الذكاء الاصطناعي بكفاءة عالية. على النقيض من ذلك، فإن وحدات المعالجة المركزية العامة من شركات كمبيوتر مثل «إنتل» مصممة للتعامل مع نطاق أوسع من المهام الحاسوبية لكن بكفاءة أقل.

مع طفرة الذكاء الاصطناعي، بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى والشركات الناشئة على حد سواء تتدافع لشراء وحدات معالجة الرسوميات لأنها مناسبة تماما لمعالجة كميات هائلة من البيانات اللازمة لتدريب برامج الذكاء الاصطناعي المتطورة مثل «PaLM2» التابع لغوغل أو «جي بي تي 4» التابع لشركة «أوبن إيه آي».

ويعتمد ابتكار «شات جي بي تي»، التابع لشركة «أوبن إيه آي»، على سبيل المثال، على الآلاف من وحدات معالجة الرسوميات التي تنتجها «إنفيديا».

وقال جريج أوسوري، مؤسس شركة «أكاش نتوركس»، إن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى رقائق تحوي ذاكرة بأحجام كبيرة، مضيفا: «إنفيديا الشركة الوحيدة التي تصنع تلك الرقائق».

في قمة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مارس، قال ديفيد لوان، المؤسس الشريك في شركة أديبت لابس، المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والمهندس السابق لدى «غوغل» و«أوبن إيه آي»، إنه فور أن تضع أي شركة ذكاء صناعي نموذج أعمالها، فإنها تحتاج إلى رأسمال مغامر لكي تبدأ في «إرسال الشيكات إلى جنسن»، في إشارة إلى جنسن هوانغ الرئيس التنفيذي لإنفيديا.

وأضاف أوسوري أن مجموعة من ثماني من أكثر الرقائق تقدما يمكن أن تكلف ما يصل إلى 300 ألف دولار.

وتشتري الشركات الآلاف منها، وأفادت صحيفة فايننشال تايمز في أبريل بأن الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك قام أيضا بإبرام اتفاق لضمان إمدادات من تلك الوحدات لمشروعه الناشئ في مجال الذكاء الاصطناعي. وذكر تقرير نشره موقع إنسايدر أن ماسك اشترى حوالي 10 آلاف وحدة خلال تلك الصفقة.

محرك رئيسي

ويقول المتابعون إن الرئيس التنفيذي لـ «إنفيديا» هو المحرك الرئيسي لما أحرزته الشركة من نجاحات في الآونة الأخيرة، والرئيس التنفيذي جنسن هوانغ هو أميركي من أصل تايواني، وبات من أشهر الأسماء في عالم التكنولوجيا السنوات الأخيرة.

وعندما أجبر الوباء على إطلاق الشركة منتجا رئيسيا افتراضيا، خرج «هوانغ» في فيديو ترويجي للحدث من مطبخ منزله، حيث سحب أحدث الرقائق التي صنعتها الشركة من فرن المطبخ، يظهر عادة هوانغ مرتديا سترات سوداء يشتهر بها قادة الدراجات النارية في الغرب.

وهوانغ، البالغ 60 عاما، هو ثاني رئيس تنفيذي أميركي بعد جيف بيزوس مؤسس «أمازون»، الذي يصل بشركته إلى تقييم سوقي عند تريليون دولار لشركة قام بتأسيسها.

وبات هوانغ واحدا من رؤساء قلائل لشركات أميركية ارتبطت أسماؤهم بها لفترة طويلة مثل ستيف جوبز، الذي صار اسمه مرادفا لشركة أبل.