بقايا خيال: عندما تصبح القبيلة والطائفة والعائلة مقياس الولاء للوطن!!
كويتي ترك الكويت عبر الحدود العراقية الإيرانية إبان الغزو العراقي الآثم للالتحاق بزوجته الأميركية، ومن طهران غادر إلى مدينة لوس أنجلس بولاية كاليفورنيا حيث تقطن زوجته مع أسرتها، وهناك اتصلت به الاستخبارات الأميركية باليوم التالي طالبة الالتقاء به بهدف الحصول على معلومات عن أوضاع الكويت والكويتيين الصامدين ومواقع الجيش العراقي وغيرها من معلومات عسكرية تفيد قوات التحالف. في الموعد المحدد قابل أربعة من الاستخبارات الأميركية، أحدهم فلسطيني الأصل، فطردهم، ليتصل به مسؤولهم المباشر مستفسراً عن سلوكه الغريب تجاه رجاله، فأجابه الكويتي بأن بعض الفلسطينيين عاثوا في الكويت فساداً، فكيف «أطمئن إلى فلسطيني آخر لأزوده بمعلومات سرية عن بلدي»؟. فأجابه الأميركي: «كل واحد من الأميركيين الذين دخلوا بيتك بالأمس قد يكون أصله من أوروبا أو إفريقيا أو أميركا الجنوبية أو غيرها، ولكنهم اليوم أميركيون لهم ما لهم من حقوق وعليهم ما عليهم من واجبات، وتطبق عليهم القوانين الأميركية بغض النظر عن أصولهم، لأن ولاءهم المطلق للولايات المتحدة الأميركية، ورغم ذلك فإنني سأرسل لك في الغد أربعة آخرين ليس بينهم من ذوي الأصول العربية»، فقبل بعرضه وانتهت المشكلة.
في صيف عام 1993 تعرفت على أحد جيراني الجدد في ضاحية هايلاندز رانش بمدينة دنفر الأميركية، عندما ناولني بطاقته التعريفية لأقرأها وأكتشف أن اسمه مشابه لأسماء شائعة في أوروبا الشرقية، فسألته إن كانت أصوله من أوروبا الشرقية، فنظر إليّ باستغراب وامتعاض ولم ينطق بشيء، وفهمت منه أنه صدم من السؤال، فاعتذرت متمنياً ألا يكون قد فهم غير ما أقصد، فرد قائلاً: اعتذارك مقبول لأنك جاري، ولكن حذارِ أن تسأل أي أميركي آخر مثل هذه الأسئلة التي سيظن من خلالها أنك عنصري وتتعمد البحث في وسائل تفتيت المجتمع الأميركي، فشكرته على نصحه ومعلوماته القيمة.
في أغلب دول العالم المتقدم، والتي لا تدين بالإسلام، تطبق قوانين نبذ العنصرية بحذافيرها، حتى لا يتعامل مواطنوها مع بعضهم على أسس عرقية أو دينية أو اجتماعية في توزيع المناصب أو الترقيات الوظيفية أو حتى التقدير الاجتماعي، بل يعتمدون في ذلك على كفاءتهم العلمية وخبراتهم العملية وإنجازاتهم الوطنية، ليأخذ كل ذي حق حقه، ومن يتجاوز هذه القوانين المتعلقة بحقوق وواجبات المواطنة يعاقب إما بالسجن أو بالغرامة أو بالاثنين معاً، أما في الدول التي تدّعي أنها «إسلامية»، فقوانين إدانة العنصرية يضرب بها عرض الحائط، لأن مواطنيها يريدون توظيف من يشاؤون وتسريح من يشاؤون، ولا يأبهون بأي انتقاد ولا يلتفتون إلى أي اعتراض، ولو طبق القانون كما يجب في هذه الدول لأنجزت مؤسساتها أعمالها اليومية على أكمل وجه.
سئل الممثل العالمي مورغان فريمان (يهودي ملحد) ذات مرة عن الأسلوب المناسب لوضع حد لأحاديث العنصرية بين اليهود والمسيحيين، فقال: «لا تتحدث عنها»، أي لا تزل عنها غبار النسيان والتجاهل، فتختفي العنصرية من قواميسنا، وأكاد أؤكد أن من قرأ هذين السطرين عن مورغان فريمان ويكتشف حقيقة ديانته سيقول: الله يلعنه.. مو كافي عليه يهودي، وفوقه صار ملحد؟ لأننا تربينا في بيوتنا ومدارسنا على وضع المعتقد قبل أهمية الولاء للوطن، فنحن نقيم أداء الإنسان وإخلاصه في عمله أو ولائه لوطنه من خلال معتقداته الفكرية لا من خلال كفاءته العلمية ولا بناء على خبراته الميدانية، وإلا فكيف صار المثل «اللي مو على دينك ما يعينك» جزءاً من تراث نفاخر به؟