«لكل جواد كبوة ولكل سيف نبوة»، مثل عربي يضرب للدلالة على أن الإنسان مهما علا وظن أنه بلا زلّة، فلا بد له من سقطة، وسقوط صاحب الذكاء أوقع على النفس من قليل الشأن والهمّة، وقد رُوي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال في هذا المعنى: «لا حليمَ إلَّا ذو عثرةٍ، ولا حكيمَ إلَّا ذو تجرِبةٍ».
وقد قيل قديما إن الحصان القوي الصلب الممتلئ حيوية ونشاطا، قد يتعثر في عدوه فيكبو ويسقط لسبب ما، ويضرب المثل أيضا للرجل الصالح حين يسقط سقطة، ويقال: لكل حسام نبوة، ولكل جواد كبوة، ولكل حليم هفوة، ولكل كريم صبوة.
وقد ذُكر أن أول من قال لكل جواد كبوة هو أيوب بن يزيد بن قيس الملقب «بابن القِرِيَّة»، والقِرِيَّة هي أمه التي كني بها، وهو أعرابي أمّي، لكنه اشتهر بالفصاحة، وبأنه مفوه بارع في الخطابة، حتى أنه كان يضرب به المثل فيقال للبليغ: إنه أبلغ من «ابن القِرِّية»، وحتى شهد له بالتفوق في الفصاحة والخطابة علماء كبار، منهم الأصمعي، وكانت له درر عن الخيل العربية، فوصف يوما فرساً فقال: حَسَنُ القَدِّ، أسيل الخد، يسبق الطرف، ويستغرق الوصف، فجمع فيها كل الخصال الحسنة.
كان «ابن القِرِيَّة» من أصحاب الحجاج بن يوسف الثقفي وجلسائه، وحصل أن تعكرت علاقته به لأنه خرج عليه مع ابن الأشعث، فأراد «ابن القِرِيَّة» أن يتودد إليه طالبا العفو عنه خوفا منه على حياته، فدار بينهما حديث طويل، ومنه حين قال للحجاج: إن رأيت أن تأذن لي بكلمات أتكلم بهن يكنّ بعدي مثلاً، قال الحجاج: هاتهن، قال: أيها الأمير: لكل جواد كبوة، ولكل شجاع نبوة، ولكل كريم هفوة. ثم أنشد قائلاً:
أقلني أقلني لا عدمتك عثرتي
فكل جواد لا محالةً يعثر
لعمري لقد حذرتني ونعيتني
وبصرتني لو أنني كنت أبصر
ليالي سهامي في اليدين صحيحة
ألا كل سهم مرةً يتكسر
وأحسن ما يأتي امرؤ من فعاله
تجاوزه عن مذنب حين يقدر
فعذره الحجاج، ثم أرسله إلى زوجته هند بنت المهلب بشرط أن يطلّقها بكلمتين اثنتين لا غير، فذهب إليها وقال لها: إن الأمير يقول لك: كنتِ فبنتِ، فردت فرحة لكرهها الشديد للحجاج: والله ما فرحنا به إذا كان، ولا حزنا عليه إذا بان.
ملحوظة: منقول من التراث بتصرف.