عملياً تراجعت فرنسا خطوة إلى الوراء في مقاربتها اللبنانية، وتقدّمت خطوتين أو أكثر باتجاه السعودية، فقد اتخذت الرئاسة الفرنسية قراراً بتعيين مبعوث شخصي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمتابعة الملف اللبناني، ووقع الاختيار على وزير الخارجية السابق، جان إيف لودريان، وهذا لم يكن وليد مصادفة، إنما له أكثر من سبب، أولاً أن لودريان يعرف الملف اللبناني جيداً، ثانياً أنه صاحب مواقف سياسية واضحة وحاسمة، وثالثاً أنه على علاقة جيدة وقوية بالرياض.
وقد جاءت هذه الخطوة بعد إصابات كثيرة تعرّضت لها المبادرة الفرنسية، وقد سقطت بفعل المقاربات التي قدّمها المسؤولون عن الملف.
وتشير مصادر دبلوماسية فرنسية إلى أن القرار كان يتم البحث به منذ فترة، خصوصاً في ظل تضارب الآراء ووجهات النظر بين المسؤولين في «الإليزيه»، إزاء الاستحقاق الرئاسي اللبناني، لا سيما أن هناك من يؤيد خيار سليمان فرنجية، فيما مسؤولون آخرون يتحفظون عن مثل هذا الخيار.
وبالتالي يفترض أن يعمل لودريان على إعداد تقرير يتضمن تقييما جديدا، وأن يقدّم مقاربة جديدة بعد زيارة سيجريها إلى لبنان في غضون أسبوعين، أي بعد 14 الجاري، موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
التحضيرات للجلسة قائمة ومستمرة، وسط ضغوط كبيرة تُمارس على النواب الذين لم يحسموا مواقفهم حتى الآن، كما أن برّي يمارس ضغوطاً كثيفة إلى جانب حزب الله على عدد من النواب الوسطيين الذين قرروا التصويت لجهاد أزعور، المرشح المنافس لفرنجية.
والمعركة الأساسية بالنسبة إلى بري وحزب الله تتعلق حالياً بتخفيض نسبة الأصوات التي سينالها أزعور، لأنّه مع تبنّي ترشيحه من قبل المعارضة، بدا أزعور أنه قريب من تحقيق 65 صوتاً، وهذا رقم يخوّله الفوز في الدورة الثانية من جلسة الانتخاب، مما دفع بري والحزب إلى تكثيف ضغوطهما.
في السياق، تشير مصادر متابعة إلى أن عدداً من النواب الذين أعلنوا نيتهم التصويت لأزعور قد أجريت اتصالات بهم تنصحهم بعدم الإقدام على هذه الخطوة وعدم التصويت لأي أحد.
والهدف هو عدم تحقيق أزعور عددا أصوات أكبر من أصوات فرنجية، مما سيحرج الأخير، إلى جانب إحراج الثنائي الشيعي، الذي يريد أن يُظهر أن أزعور غير مؤهل لاستكمال المعركة الانتخابية.
وفي حال نجح الثنائي الشيعي في تعديل آراء النواب وتخفيض أصوات أزعور، فإن الجلسة ستبقى قائمة، وتعقد بدورتها الأولى من دون تحقيق أي طرف الرقم المطلوب، أما في حال عدم نجاح الثنائي الشيعي في ذلك، فمن الممكن أن يتم تعطيل نصاب الجلسة قبل انعقادها، كي لا تظهر الأرقام بما يُحرج «الثنائي».
فيما سيكون التبرير بأن التعطيل يأتي كفرصة بانتظار زيارة لودريان إلى بيروت، وإمكانية أن يحمل بعض المؤشرات التي تحفز على التوافق.
إلى ذلك، أكدت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، خلال لقائها وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بوحبيب، في الرياض على هامش اجتماع التحالف ضد «داعش»، إنه ليس لفرنسا مرشح رئاسي، بل إن ما يهمها هو أن يصبح للبنان رئيس للجمهورية، خاصة في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
وقالت الوزيرة الفرنسية إن تعيين لودريان سيسرّع في مسار انتخاب رئيس. كذلك فإن الملف اللبناني كان حاضرا في لقاء كولونا مع نظيرها السعودي فيصل بن فرحان.