انشغلت الساحة السياسية اللبنانية في اليومين الماضيين بمشهدين، الأول مشهد التطورات التي حصلت في منطقة تلال كفرشوبا جنوب لبنان بين مواطنين لبنانيين عملوا على إزالة الشريط الشائك على الخط الأزرق، وحاولوا العبور تحت عنوان سعي لبنان لتحرير أراضيه المحتلة، والثاني هو مشهد الانقسام حول الانتخابات الرئاسية والجلسة الانتخابية التي ستعقد الأربعاء المقبل، بعد تبنّي قوى المعارضة ترشيح جهاد أزعور للرئاسة، في مقابل تمسّك الثنائي الشيعي بترشيح سليمان فرنجية.
التطورات على الجبهة الجنوبية لها أكثر من رسالة، خصوصاً أن حزب الله يريد تثبيت معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» في مرحلة الانتخابات الرئاسية، لا سيما أن مواطنين لبنانيين هم الذين بادروا إلى التحرك، فدعمهم الجيش اللبناني، وكان عناصر حزب الله في الخلف يوفّرون الحماية ويؤكدون الجاهزية والاستعداد للتدخل في حال دعت الحاجة.
ولا يبدو أن التحركات في الجنوب ستتوقف عند هذا الحد، إنما هي ستكون عبارة عن مسار تصاعدي طوال المرحلة المقبلة.
ولا تنفصل هذه التحركات عن تحرّكات جديدة ستجرى في سورية، وتحديداً في مناطق الشرق السوري، من خلال تظاهرات سيتم تنظيمها من قبل حزب الله والجيش السوري والإيرانيين لمواطنين سوريين باتجاه مناطق سيطرة الأميركيين، للمطالبة بانسحاب الجيش الأميركي من سورية.
ولا تستبعد المصادر المتابعة أن يشهد الجنوب السوري تظاهرات مشابهة لمطالبة جيش الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من الجولان.
وهذا عملياً هو تطبيق لمبدأ «وحدة الجبهات» الذي تحرص عليه إيران، واللافت أن هذه الدعوات تأتي بالتزامن مع زيارة ثالثة يجريها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى السعودية خلال 3 أشهر، وسط تساؤلات كثيرة عن فحوى هذه الزيارة، وعما إذا كانت هذه التحركات هدفها تثبيت وقائع ما قبل الاتفاق الإيراني - السعودي برعاية صينية، أي أن الاتفاق لم يشمل بعد العديد من الساحات أو الملفات في المنطقة، وبالتالي فإن التنافس بين الجانبين حول سورية ولبنان لا يزال قائماً، بما في ذلك الاستحقاق الرئاسي في لبنان.
وثمّة من يعتبر أن كل هذا التصعيد هدفه الذهاب إلى استدراج اتفاق أشمل وأوسع على كل هذه الملفات، وبالتالي، فإن كل طرف يسعى إلى تعزيز موقعه التفاوضي وتحسين شروطه.
وهذا أيضاً ما تشهده الساحة اللبنانية من تصعيد في المواقف السياسية على مشارف موعد انعقاد جلسة الانتخاب الرئاسية. واتهام كل طرف لمرشح الطرف الآخر بأنه مرشح المواجهة.
ووصف عضو المجلس المركزي في حزب الله اللبناني، الشيخ نبيل قاووق، أمس، ترشيح أزعور بأنه «انقلاب على التوازنات الداخلية الحساسة».
وبانتظار جلسة الأربعاء، يرسم خبراء ومحللون سيناريوهات عدة للمحاولة الـ 12 لانتخاب رئيس، ويتساءل بعضهم إذا كانت ستعقد في موعدها، أم سيتم تأجيلها، أم أنه سيتم تعطيل نصابها.
وفي هذا السياق، جاء تأكيد أزعور أنه حريص على التوافق، ولا يريد التحدي أو المواجهة، فيما من المرجح أن يكرر فرنجية الأحد كلاما مماثلا، وهذا قد يسهم في تعزيز التواصل للبحث في إمكانية تأجيل الجلسة لإفساح المجال أمام المزيد من التشاور، خصوصاً في ظل انتظار زيارة المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان الذي سيجول على المسؤولين ويبحث معهم في مقاربة فرنسية جديدة للاستحقاق، وفي ضوء التواصل المستمر بين الوزير السابق وليد جنبلاط ورئيس المجلس نبيه بري على قاعدة أن ترشيح أزعور لا يصب في خانة تحدي أو مواجهة الثنائي الشيعي.
السيناريو الآخر المطروح هو إمكان إبقاء الجلسة في موعدها مقابل ألا يدخل نواب الثنائي الشيعي إلى القاعة العامة فيعملون على تطيير النصاب، وبالتالي تأجيلها، كي لا تظهر موازين القوى التي تشير إلى فارق كبير في الأصوات بين المرشحين لمحصلة أزعور.
أما الاحتمال الثالث فهو أن تعقد الجلسة بدورتها الأولى ولا يحقق أي طرف العدد الكافي من الأصوات ليصبح رئيساً، ويتم تعطيل نصاب الدورة الثانية.
وهو ما سيفتح المجال أمام المزيد من المشاورات في سبيل البحث عن صيغة توافقية، وهذا ما سيكون بحاجة إلى تدخّل قوى إقليمية ودولية.