لا شك أن الحكومة هي المسؤول الأول عن مصالح البلاد وفق ما نص عليه الدستور في المادة (123) ووفق الشريعة الإسلامية أيضاً، حيث نص الحديث المشهور «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته»، ثم ذكر مسؤولية الرجل والمرأة والخادم.

وقد نص الدستور الكويتي على أن الأمير يمارس سلطاته بواسطة وزرائه، أي الحكومة، وذلك كي تتحمل هي المسؤولية، واتفقت أمم الأرض على هذه القاعدة، فنصت في دساتيرها وقوانينها على أنه «حيثما تكون السلطة تكون المسؤولية».

Ad

وبناء على هذه القاعدة، فالحكومة هي المسؤول الأول عن إدارة جميع شؤون البلاد مثل تحقيق التقدم والاستعداد للمخاطر التي قد تقع، وكذلك هي مسؤولة عن توفير الفرص الوظيفية للأعداد الهائلة المقبلة على سوق العمل، ومسؤولة أيضاً عن توفير دخل مناسب للدولة في الحاضر والمستقبل يكفل توفير جميع هذه المتطلبات التي أكدها الدستور.

لكن يلاحظ المتخصصون في كل مجال أن هناك تقصيراً واضحاً في مجالات كثيرة تقع تحت سلطة الحكومة، خصوصاً قضايا الإصلاح الاقتصادي من حيث توفير الإيرادات المناسبة للبلاد والنهوض بالاقتصاد وتوفير فرص العمل مما أدى إلى صرف 80% من الميزانية في إنفاق جارٍ لا يعود بأي موارد إضافية للدولة، وينذر بأزمة خطيرة قادمة.

وقد دأبت الحكومة على إلقاء اللوم أحياناً على الدستور الذي لم يعطها سلطة كافية لإقرار قوانينها وبرامجها وخطتها الخمسية، وأحيانا تلقي اللوم على أعضاء مجلس الأمة وتدخلاتهم وإعاقتهم لمشروعاتها، وأحياناً على استجوابات النواب وعدم تعاونهم.

ومع الإيمان التام بعدم جواز الاحتجاج بهذه الأعذار إلا أننا لا يجوز أن نبرئ المجالس السابقة من ممارسات أضرت بالبلاد واقتصادها ومواردها وعدالتها أحياناً، فكثير ما أقر المجلس قوانين تخالف المصلحة العامة، وتضع أعباء مالية كبيرة دون أي مبرر، وكثيراً ما تم استجواب وزراء أكفاء وإبعادهم عن الحكومة، كما تم التدخل في صلاحيات الحكومة وإقرار قوانين تخالف الخطة الخمسية رغم صدورها بقانون.

نستنتج من ذلك أن كلاً من الحكومة والمجلس يتحمل المسؤولية، وإذا عدنا إلى الحديث السابق الإشارة إليه فسنجد أنه قد فصّل هذا المبدأ، فبعد ذكره مسؤولية الإمام ذكر مسؤولية رب الأسرة والمرأة وحتى الخادم في البيت، فالكل يتحمل المسؤولية بقدر السلطة التي يتمتع بها.

لذلك على كل عضو في الحكومة والمجلس أن يراقب الله تعالى في عمله، ويستعين بالمتخصصين الثقات في كل موضوع، وليتذكر أنه أقسم أن يؤدي أعماله بالأمانة والصدق، وأن يحافظ على الأموال العامة، فعلى الحكومة أن تعمل بالأسلوب العلمي الذي يحقق أهداف البلاد واستدامة الاقتصاد من أجل توفير حياة كريمة للأجيال، وعليها أن تعمل على تعظيم الإيرادات اللازمة للمستقبل إلى جانب مكافحة الفساد، وعليها ألا تعتمد على مصدر وحيد متقلب الأسعار لدخل البلاد مهما كانت الصعوبات التي تواجهها في المجلس، ولا يجوز لها أن تهمل التنمية الحقيقية أو تستسلم للاختلالات الهيكلية في المالية العامة، فكل هذه أخطار تحدق بالبلاد في المستقبل.

وفي المقابل لا يجوز للأعضاء بناء على قسمهم طرح القوانين التي تضر بالاقتصاد وترهق المال العام أو عدم الوقوف ضدها بحجة أن هذا يؤثر على نجاحهم في الانتخابات فيتركون التصدي لهذه القوانين للحكومة وحدها، ولا يجوز لهم السكوت على الحكومة إذا أضرت بالمصلحة العامة أو أخلت بالمساواة بين المواطنين.

وهكذا يتقاسم الطرفان المسؤولية، فلا تحتج الحكومة بمواقف المجلس لأن بإمكانها أن ترفع أمر عدم التعاون إلى أمير البلاد إذا رأت أن المجلس بأغلبيته يعوق الخطة أو يطغى في عمله على المصلحة العامة أو يقر القوانين التي تستنزف المالية العامة، وأيضاً لا يحق للأعضاء استخدام الأغلبية المتاحة لهم لإقرار القوانين التي تضر البلاد وماليتها وتعوق التنمية، كما لا يجوز لهم الاحتجاج بأخطاء الحكومة وعجزها لأن بإمكانهم إقرار التشريعات المنفذة للخطة والمناسبة لتنمية الإيرادات وتطبيق العدالة ومكافحة الفساد بالإضافة إلى محاسبة الحكومة وإعلان عدم التعاون.

باختصار كلتا السلطتين راعٍ وكلتاهما مسؤولتان عن رعيتهما.