رغم ترحيب البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الوزاري المشترك للشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، الذي عُقِد الأربعاء الماضي في الرياض، باستعادة العلاقات السعودية ـ الإيرانية، ودعمه لخطوات خفض التصعيد في المنطقة، دعت واشنطن حلفاءها في دول الخليج إلى الحذر في التعامل مع إيران.
وقالت المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية هالة غريط، التي رافقت وزير الخارجية أنتوني بلينكن في جولته إلى السعودية، حيث شارك في سلسلة اجتماعات، وأجرى محادثات حول الشراكة الاستراتيجية السعودية ـ الأميركية، والخليجية ـ الأميركية، في رد على سؤال لـ «الجريدة» عن التحالف البحري الذي أعلنت إيران أنه سيرى النور قريباً، والذي يضمها إلى 4 دول خليجية والعراق وباكستان والهند: «ندعو جميع شركائنا إلى التحلي بالحذر بشأن إيران، التي ثبت تهديدها المستمر للأمن الإقليمي، خصوصاً الأمن البحري. على سبيل المثال الأعمال التي تهدد وتعرقل الشحن التجاري في الشرق الأوسط والتي ندينها بشدة».
وفي حين التزمت السعودية والإمارات والبحرين وقطر «الصمت الإيجابي» تجاه الإعلان الإيراني، وهو صمت قد لا يعني بالضرورة أن التحالف أصبح أمراً واقعاً، قالت غريط، إن «الولايات المتحدة تحترم السيادة الوطنية لكل دولة، ولا تفرض إرادتها أو أي قرار عليها»، رافضةً القول إذا كانت واشنطن تعارض قيام هذا التحالف في منطقة استراتيجية غنية بموارد الطاقة، وكثيراً ما كانت تقع في قلب خريطة نفوذها. وكان تيم هوكينز، المتحدث باسم الأسطول الخامس للبحرية الأميركية، الذي يتمركز في البحرين، إحدى الدول التي شملها الإعلان الإيراني، هو الأوضح في التعبير عن استياء بلاده من التحالف المزمع، وقال لموقع «بركينغ ديفينس»، المتخصص في الأخبار العسكرية، إن «التحالف البحري الإيراني ـ الخليجي يجافي المنطق»، لافتاً إلى أن «إيران المسؤول الأول عن عدم الاستقرار الإقليمي تريد تشكيل تحالف أمني بحري لحماية المياه التي هي تهددها».
وكررت غريط عبارة تحمل المعنى نفسه، لافتة إلى أنه «بالنسبة للتحالف البحري الإقليمي، إذا كانت إيران جادة بشأن حماية حرية الملاحة، فمن الأجدر أن توقف أعمالها التي تهدد أمن الملاحة، وأنشطتها التي تهدد السفن التجارية».
ولم تعلّق غريط على سؤال «الجريدة» عبر البريد الإلكتروني، إذا كان هذا التحالف المزمع يشكل خطراً على مشاركة المعلومات بين القوات البحرية الأميركية والدول الصديقة الأعضاء فيه، لكنها أوضحت أن واشنطن «تعزز موقفها الدفاعي في الخليج بالتعاون مع الحلفاء والشركاء، ولن نسمح للقوى الأجنبية أو الإقليمية بتعريض حرية الملاحة في ممرات الشرق الأوسط، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب، للخطر».
وأكدت: «نحن ملتزمون بالرد على العدوان الإيراني، والأنشطة غير القانونية بالتعاون مع حلفائنا الدوليين وشركائنا في المنطقة؛ لضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز وغيره من الممرات المائية الحيوية».
وفيما يتعلق بغياب اسم الكويت عن الإعلان الإيراني، أشارت المتحدثة إلى أن «واشنطن لا تعلق على التقارير الخاصة بالدول الأخرى». وكانت «الجريدة» نقلت عن مصدر إيراني رفيع قوله، إن طهران أرسلت دعوة إلى الكويت للمشاركة في التحالف، لكنها لم تتلقَّ بعدُ أي رد كويتي، في حين أبدت الدول الخليجية الأربع الأخرى انفتاحها على الفكرة، على أساس تشكيل آلية تنسيق وغرفة عمليات مشتركة، وليس تحالفاً بالمعنى العسكري للكلمة.
وكان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ونظيرهم الأميركي جددوا في ختام اجتماع الرياض التزامهم «بحرية الملاحة والأمن البحري في المنطقة، وعزمهم على مواجهة أي أعمال عدوانية أو غير قانونية في البحر أو أي مكان آخر من شأنها تهديد الممرات الملاحية والتجارة الدولية والمنشآت النفطية في دول المجلس».
وقرروا عقد جولة أخرى لمجموعتي العمل المشتركة في الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل والأمن البحري في وقت لاحق من العام الجاري، مشيدين بالتدريبات العسكرية المشتركة التي جرت بين قواتهم المسلحة في إطار القوات البحرية المشتركة.
وخلا بيان الرياض من إدانات لـ «أنشطة إيران الخبيثة»، وهي عبارة كانت تتردد عادة في مثل هذه المناسبات، كما عبّر عن دعم أميركي ـ خليجي لجهود خفض التصعيد في المنطقة، واستعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض.
وعن هذا الأمر، وتحديداً افتتاح السفارة الإيرانية في الرياض الثلاثاء الماضي، قبل ساعات قليلة من وصول الوزير بلينكن إلى مدينة جدة حيث التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قالت غريط: «شجعنا منذ زمن طويل على الحوار المباشر والدبلوماسية، بما في ذلك بين إيران والدول في المنطقة. تبادل السفراء قد يكون خطوة طبيعية في سياق هذا الحوار، الذي نأمل أن يسهم في خفض التوترات ومعالجة المخاوف الإقليمية المستمرة منذ فترة طويلة»، مؤكدة أن بلادها تحترم العلاقات الثنائية بين الدول، وتشجع على الحوار كأداة فعالة لحل النزاعات.
وتابعت «ومع ذلك، فإن أي تقارب بين السعودية وإيران يجب أن يؤدي إلى تغييرات ملموسة في سلوك إيران، بما في ذلك وقف الأعمال التي تزعزع الاستقرار في المنطقة»، مضيفة: «نحن نتابع بعناية التطورات الحالية، ونأمل أن يكون لها تأثير إيجابي على الاستقرار الإقليمي».
من جانبها، رحّبت روسيا بالإعلان الإيراني عن التحالف البحري الإقليمي، وكذلك فعلت الصين التي توسطت في المصالحة بين إيران والسعودية، ورعت الاتفاق الموقع بينهما في بكين لاستعادة العلاقات الدبلوماسية.
ومن ضمن بنود أخرى، نص اتفاق بكين على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بين الرياض وطهران عام 2001، والتي تتضمن 12 بنداً، يدعو أحدها إلى «التعاون في مراقبة الحدود والمياه الإقليمية بين البلدين لمنع التهريب والإخلال الأمني»، وينص بند آخر على «التعاون في مجال الإنقاذ البحري والتسلل غير المشروع».
وقد يكون تفعيل اتفاقية 2001 هو الركيزة التي اعتمدت عليها طهران في إعلانها التحالف البحري، الذي قالت مصادر إيرانية لـ «الجريدة»، إن الرئيس الإيراني المعتدل السابق حسن روحاني اقترحه سابقاً على أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد عام 2017، وعاد روحاني وطرحه في إطار مبادرة هرمز للسلام التي عرضها في كلمة خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2019.
وعن العلاقات الروسية ـ الإيرانية الدفاعية المتنامية، نبّهت غريط إلى أن «التعاون العسكري بين طهران وموسكو يشكل تحدياً كبيراً للأمن الإقليمي، إذ تساهم إيران في تعزيز قدرات روسيا العسكرية، مما يضفي بعداً آخر على التوترات في العالم. وفي المقابل، فإن الشراكة بين روسيا وإيران، ودعم موسكو لطهران عسكرياً يعزز نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، ما يشكل تهديداً واضحاً لأمن المنطقة».
وأكدت غريط أن «واشنطن تتابع هذه التطورات عن كثب، ونحن نعمل مع شركائنا الإقليميين والدوليين؛ لضمان أن يكون الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ضمن أولوياتنا العليا».