بغداد تسهر 3 ليالٍ على وقع «الموازنة»
أربيل تتحدث عن محاولة لتقسيم إقليم كردستان عبر «تمويل مستقل» للسليمانية
3 أيام ساخنة بلياليها من النقاشات النيابية المستمرة حتى الفجر عاشتها بغداد وسهرت معها شركات تداول الدولار القلقة، والمقاولون، والمصالح التابعة للأحزاب والطوائف، حيث يجري بصعوبة إقرار موازنة ضخمة بنحو 450 مليار دولار تغطي الأعوام الثلاثة المقبلة، بما تعنيه من مغامرة في الغرق بالديون والعجز، مع توظيف 800 ألف شخص دفعة واحدة دونما ضمان لتأمين رواتبهم.
لكن الأحزاب لم تكن معنية بذلك بقدر انشغالها بمعالجة الخلاف النفطي بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، وهو خلاف أدى إلى حرمان الأكراد من حصتهم في الموازنة منذ نحو 10 أعوام، بسبب عدم الاتفاق على صيغة لإدارة صادرات النفط.
وخلال اليومين الماضيين جرى بشق الأنفس تمرير مادتين في الموازنة (13 و14) دون أن يتضح ما اذا كان الأمر يحل الأزمة بين الجانبين حقاً أم يدخلها في دوامات جديدة، حيث النصوص ملغمة بشروط كثيرة، وقد اضطرت أربيل لقبولها خضوعاً للأمر الواقع، بعدما أوقفت بغداد صادرات كردستان للشهر الثالث على التوالي، ولا بد من اتفاق لاستئنافه بما يحمله من خسائر كبرى للحكومة والمستثمرين الأجانب.
لكن من المصاعب التي واجهها الأكراد هذه المرة هي ذهابهم منقسمين إلى بغداد، إلى درجة أتاحت لحلفاء طهران أصحاب النفوذ الأكبر في حكومة محمد شياع السوداني، أن يلعبوا بقسوة معلنة، على تناقضات الحزبين الكرديين، الاتحاد الوطني في السليمانية، والحزب الديموقراطي في أربيل.
وفي ساعة مبكرة من فجر الأحد نظم ممثلو الزعيم الكردي مسعود بارزاني في بغداد مؤتمراً صحافياً في البرلمان العراقي بعد تهديدهم بمقاطعة الجلسة، اتهموا فيه حلفاء إيران (دون أن يسموهم) بمحاولة تقسيم إقليم كردستان إلى شطرين، السليمانية حيث نفوذ عائلة الرئيس الأسبق جلال طالباني هي الأقرب إلى ايران، وأربيل الموصوفة تحت نفوذ بارزاني بأنها «آخر نقطة تعارض طهران في العراق».
وقال النائب عن الحزب الديموقراطي إن فريقه نجح في «منع مؤامرة» استهدفت شطر الإقليم الكردي، عبر محاولة لوضع بنود تسمح لبغداد بأن تقوم بتمويل السليمانية بحصة مستقلة من الموازنة، تنتزع من حصة إقليم كردستان ما وصفه بأنه «تشجيع للسليمانية على الاستقلال».
وذكرت مصادر سياسية رفيعة في بغداد أن هذا لم يكن سراً طوال الشهور الماضية، إذ إن الخلافات بين الحزبين الكرديين أصبحت مسرحاً لتدخلات إيرانية معلنة منذ الصراع على منصب رئيس الجمهورية (حصة الاكراد) الذي حسم بصعوبة الخريف الماضي، حين نجحت السليمانية في إضعاف موقف بارزاني ووقفت مع الجناح الشيعي المتشدد المعروف بالإطار التنسيقي.
ومن المعروف منذ التسعينيات أن السليمانية أقرب إلى طهران من الجميع، لكنها المرة الأولى التي يصل فيها النقاش إلى محاولة منح السليمانية وضعاً مالياً خاصاً، من شأنه أن يشجع على انهيار إقليم كردستان وتقسيمه إلى إقليمين، استناداً لبراعة الإيرانيين في اللعب على التناقضات السياسية، وما أدى إليه ذلك من نتائج تمثلت في تذويب قوة تيار مقتدى الصدر في البيت الشيعي، ثم تذويب كل القوى السنية المتماسكة وتشتيتها.