بداية، قال الخبير والاستشاري النفطي، د. عبدالسميع بهبهاني: فعليا لا يغير منتجو النفط خططهم بسرعة لتقليل الانبعاثات في خطة 2050 صافي انبعاثات صفرية. ففي عام 2022، التزمت أكبر 6 شركات كبرى للطاقة في أوروبا من خلال إنتاج الوقود الأحفوري بي بي، إيني، توتال، وغيرها باستثمار بأقل من 25 بالمئة (النفقات الرأسمالية) إلى «منخفض الكربون».

وأضاف: في الوقت ذاته لم تقم شركات الطاقة الأميركية الكبرى (شيفرون وإكسون موبيل وكونوكو فيليبس) بأي استثمارات في مصادر الطاقة المتجددة خلال عام 2022.

Ad

ولفت الى أن الشركات الكبرى لا تزال تركز استثماراتها على الوقود الأحفوري، ولا تغيير في استراتيجيتها في التضارب مع توصيات علماء المناخ.

وتابع بهبهاني أن أجندة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة تزيد بأكثر من 1.5 درجة عن مستويات ما قبل ثورة الصناعة، لافتا إلى أن 6 شركات أوروبية كبرى للطاقة ستطلق انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تتراوح بين 32 و79 بالمئة أكثر مما هو مسموح به، بموجب سيناريو 1.5 درجة.

الخلط بين هدفين

وأعرب بهبهاني عن اعتقاده بأن السبب الأساسي في عدم الاهتمام هو الخلط بين هدفين، واختيار حل واحد للهدفين، وهذا أثبت علميا أنه لا يستقيم علميا ولا يتحقق اقتصاديا، فارتفاع حرارة الأرض ليست له علاقة بكثرة الانبعاثات، فالعلاقة الفنية بين الطاقة النظيفة إن قصد بها انبعاثات الغازات، على رأسها الكربون والميثان، فبالكربون يزداد نمو الزرع والشعاب المرجانية البحرية، وبغلاف الميثان تنخفض الحرارة، فهما صديقان للبيئة.

وشدد على حرص الكويت على تلبية 15 بالمئة من الطلب المحلي على الطاقة من المصادر المتجددة بحلول عام 2030، لافتا إلى أنه منذ عام 2012، لم يكن هناك تكليف فعال نحو الهدف، فحتى اليوم توليد الطاقة من أنظمة التكنولوجيا المتجددة أقل من 1 بالمئة، الأمر الذي يشير إلى أنها لن تصل إلى هدف الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.

حكومات الكويت

ولفت إلى أن حكومات الكويت الأخيرة تجاهلت الطاقة المتجددة كأسلوب يهدف إلى القضاء على الانبعاثات - ولكن ليس خفض صادرات النفط - في الفترة التي تسبق قمة الأمم المتحدة للمناخ العام الماضي في غلاسكو، بل على العكس من ذلك، أصرت الحكومة على وعد قديم بخفض الانبعاثات بنسبة 7.4 بالمئة فقط بحلول عام 2035.

والتقارير العالمية تبالغ في تقييم البلاد بحرق النفط لتوليد الكهرباء وانها واحدة من الدول الرائدة في العالم في انبعاثات الكربون للفرد الواحد، وتلبي من الطاقة المتجددة 1 بالمئة فقط من الطلب على الطاقة، أي أقل بكثير من 15 بالمئة التي حددها الكويتيون لعام 2030. فقد كانت خطة الكويت إنشاء محطة الرياح طاقة أكثر بنسبة 20 بالمئة مما كان متوقعا في عامها الأول، وفقا لمعهد الكويت للأبحاث العلمية، لكن المشروع سرعان ما فقد الزخم، فاتجهت الى إنتاج الطاقة الحرارية الشمسية، وهي أغلى.

وقال: تمتلك الكويت 63 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز، أي 1 بالمئة من الإجمالي العالمي، وهو غير مستغل تقريبا.

من ناحية أخرى، قال بهبهاني إن تقديم الولايات المتحدة المساعدات والتشجيعات الضريبية في إطار التحول الى قطاع الطاقة المتجددة هو نتيجة صراع حزبين كبيرين، الديموقراطي الحاكم للإدارة الأميركية وبين الحزب الجمهوري، غير المقتنع في موضوع العلاقة بين البيئة وارتفاع الحرارة، لافتا إلى أن الإدارة الأميركية للحزب الديموقراطي، دفعت فعلا مبالغ ضخمة وصلت الى 500 مليار دولار لدعم الطاقة المتجددة، داخل البلاد وخارجها، إضافة أنها منعت النمو في النشاط البترولي، مضيفا: ولعل هذا كان من أهم أسباب ارتفاع أسعار الطاقة وانخفاض المخزونات الاستراتيجية الى أقل من 20 بالمئة. فكان محور النقاش في تقليص دعم «المتجددة» وزيادة الاستكشاف والتطوير النفطي أهم بنود شروط سداد الدَّين العام بين الحزبين.

سلامة البيئة

من جانبه، قال الخبير النفطي كامل الحرمي إنه في مسعى لإنتاج طاقة نظيفة تهدف إلى الحفاظ على سلامة البيئة من التلوث، تم الاستثمار وللمرة الأولى بما يفوق 1.7 تريليون دولار في الطاقة الشمسية المتجددة، مقارنة بتريليون دولار في الوقود الأحفوري، وفق تقارير وكالة الطاقة الدولية.

وأضاف الحرمي أنه «ومع عزوف الشركات النفطية العالمية عن الاستثمار في هذا الاتجاه، قد يكون ذلك سببا للتراشق بين منظمة أوبك والوكالة حول حجم الاستثمارات النفطية والتحول عن الأحفوري، مما يسبب مشاكل أو عجزاً في الإمدادات مستقبلا، علما أن الدول النفطية فعلا تحاول بقدر الإمكان المحافظة على البيئة حسب اتفاقية باريس بتقليل درجة حرارة الكون، واننا جزء من الكون، لكن عدم الاستعجال في الاستثمار سيكون له المضار بحكم ان النفط سيبقى المصدر الرئيسي للطاقة، ويحتاج إلى أكثر من 12 تريليون دولار من الاستثمارات حتى 2045».

رسم الآليات

وشدد الحرمي على أن الجميع يعترف بضرورة التحول إلى الطاقة المتجددة الخضراء بأنواعها من الرياح والطاقة الشمسية، لافتا إلى أنه على الجميع أن يتفق ويرسم الآليات المطلوبة بدلا من تبادل الاتهامات.

وأعرب عن اعتقاده بأن التحول السريع لن يكون ميسرا وسلسا، مشيرا إلى أنه قبل 5 سنوات كانت الاستثمارات متعادلة بين الأحفوري والطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، مؤكدا ضرورة الأخذ بعين الاعتبار إيجاد الحلول للمواد التي تدخل في تصنيع المركبات، والتي تأتي عن طريق النفط الأحفوري.

ليست مربحة

من ناحيته، ذكر رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في مجموعة الشموخ لخدمات النفط في أبوظبي د. علي العامري أن هناك عدة أسباب لعزوف الشركات النفطية العالمية عن الاستثمار في الطاقة النظيفة، من بينها أن الطاقة النظيفة ليست مربحة بنفس مستوى النفط والغاز، وبالتالي قد يكون من الصعب على الشركات النفطية تحقيق أرباح تنافسية في هذا القطاع، وكذلك قد تكون هناك تحديات تقنية معينة في مجال الطاقة النظيفة، مثل تخزين الطاقة وتوفيرها في الأوقات التي يكون الطلب عليها مرتفعا.

وحول مدى استقامة عدم الاهتمام بالطاقة النظيفة والمطالبة في الوقت نفسه بالمحافظة على البيئة، أفاد العامري بأن هذه مسألة معقدة وتتطلب حلولا شاملة ومنهجية للتعامل معها، لافتا إلى أنه يمكن أن يتم ذلك عن طريق توفير المزيد من المعلومات والتثقيف حول الأضرار الناجمة عن استخدام الطاقة التقليدية وتعزيز استخدام الطاقة النظيفة.

واشار إلى أنه وبما أن الاهتمام بالطاقة النظيفة يرتبط بالمحافظة على البيئة، فيجب على الحكومات والمؤسسات العامة والخاصة العمل معًا لتحقيق هذه الأهداف وتوفير مزيد من الدعم للابتكارات التي تعزز استخدام الطاقة النظيفة، مبينا أنه يمكن للأفراد القيام بتغييرات بسيطة في نمط حياتهم، مثل تقليل استهلاك الطاقة والماء والحد من استخدام السيارات واستخدام وسائل النقل العامة أو الدراجات الهوائية في حال كان ذلك ممكنا.

ويمكن للأفراد والحكومات والشركات مجتمعين أن يتخذوا خطوات للتخفيف من الأضرار التي يسببها استخدام الوقود الأحفوري وتشجيع استخدام الطاقة النظيفة، فعلى المستهلكين اتباع عادات أكثر استدامة، مثل استخدام المصابيح الخفيفة الكهربائية عالية الكفاءة، وشراء الأجهزة المنزلية ذات الكفاءة العالية، وتقليل استهلاك المياه والغاز والكهرباء.

وأضاف أن الحكومات يمكن أن تتبنى سياسات تحفيز تشجيعية للطاقة النظيفة، مثل إعفاءات ضريبية للشركات التي تستثمر في الطاقة النظيفة وتشجيع تطوير التكنولوجيا الحديثة المتعلقة بالطاقة المتجددة، أما بالنسبة للشركات فعليها أن تتبنى ممارسات أكثر استدامة، مثل استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الإنتاج، وتقليل النفايات والتلوث، فعلى الجميع العمل معا لتحقيق التوازن بين الاهتمام بالبيئة وتلبية الاحتياجات الطاقوية.

تجربة الإمارات

وأوضح د. العامري أن للإمارات تجربة واضحة في قطاع الطاقة المتجددة النظيفة، حيث تعتبر واحدة من الدول الرائدة في هذا المجال بالمنطقة، مشيرا إلى سعيها جاهدة للانتقال إلى الطاقة النظيفة، وقد حددت هدفا طموحا لتوليد%50 من احتياجاتها الكهربائية من الطاقة المتجددة بحلول عام 2050.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تقدم المساعدة والحوافز الضريبية للانتقال نحو الطاقة المتجددة، ويعتمد نجاحها في ذلك التحول على عوامل مختلفة، مثل الاستثمار والتقدم التكنولوجي والسياسات الحكومية، ومع ذلك من المهم ملاحظة أن الانتقال إلى الطاقة المتجددة خطوة ضرورية نحو مستقبل مستدام، ويجب متابعتها وعمل الدراسات والبحوث المتعلقة بهذا القطاع وضخ الأموال اللازمة في هذا القطاع.

التحول مكلف

بدوره، قال أستاذ هندسة البترول في جامعة الكويت د. سعد العاطفي إنه من الملاحظ أن القطاع النفطي بدأ التحول إلى شركات طاقة عالمية متنوعة المصادر، وبدأت الاستثمار بالطاقة النظيفة بأنواعها، ولكن هذا التحول تدريجيا وليس جذريا، خصوصا أنه يعد مكلفا ويتطلب وقتا كبيرا، وأغلب الشركات النفطية بدأت منذ أعوام تقليل الانبعاثات والحرص على الموارد النظيفة.

محاولات الكويت متعثرة

ولفت العاطفي إلى أن الكويت كانت لها محاولات عدة في هذا المجال، وطرحت العديد من المشاريع، وكان لبعضها النصيب من التعثر، معربا عن اعتقاده بأنه من الأفضل أن تكون هناك جهة متخصصة في تطوير مشروعات الطاقة النظيفة وخصوصا الشمسية، لاسيما مع موقع الكويت الممتاز، ووجود تجارب علمية في هذا المجال من قبل معهد الكويت للأبحاث العلمية.

تحول طاقي

من جهته، قال الباحث العلمي في معهد الكويت للأبحاث العلمية د. سلطان السالم إن العالم على أعتاب تحول طاقي في خريطة المنطقة وخصوصاً على مستوى دول الشرق الأوسط، حيث يأتي هذا التحول مواكبا لعدة عوامل، أبرزها التغير العالمي في أسعار الوقود الأحفوري التقليدي من جانب (نفوط بأشكالها، والغاز الطبيعي، والفحم) والطلب والعرض العالميين في الأسواق مع نضوج بعض التقنيات في الطاقات المتجددة تزامنا مع اعلان العديد من الدول من بعد مؤتمر التغير المناخي في باريس عام 2015 وصولا الى قمة شرم الشيخ منذ أشهر معدودة فيما يخص التزاماتها الأممية بالحياد الكربوني وتقليل جل انبعاثاتها والالتزام بتطوير بنى تحتية متعددة في الطاقة المتجددة كذلك.

وقال: ولأن التغيير في البنى التحتية للوقود الأحفوري مكلف مع العلم بتناقص قيمة منصات التكرير البترولية وصولا الى نصف قيمتها بحلول عام 2035، فإن كبرى الشركات العالمية على دراية بأن الوقود الأحفوري يشكل العنصر الرئيسي في سلة الطاقة على مستوى العالم. ولذلك نجد الضبابية في الأرقام المعلنة عن الالتزامات منها من جانب، ومن جانب اخر نجد أن جميع العمليات الثانوية المعتمدة المصاحبة لمنصات الوقود المتجدد مازالت الى حد كبير معتمدة على الوقود الاحفوري، وهذا يعد عائقاً تقنياً ماازالت المشاريع الحثيثة في طور التصدي له مع تقادم الأيام على مستوى العالم.

ولفت إلى أنه لا يستقيم عدم الاهتمام بالطاقة النظيفة والمطالبة في الوقت نفسه بالمحافظة على البيئة، مبيناً أن هذا الامر متناقض تماما في كل الجوانب، وأن ما لا يدركه الكثيرون أن خريطة الطاقة بدأت بالتحول الجاد من حولنا وليس بشكل تدريجي أيضا بل بشكل متتابع متسارع يؤثر على كافة الدول التي لا تواكب هذا التطور السريع.

وأكد السالم أنه من الضروري جداً أن نستشهد بعدد من الأمثلة لإثبات الحالة من دول مجاورة لنا بموارد مادية وبشرية مختلفة. فعلى سبيل المثال، بدأت سلطنة عمان الشقيقة استغلال الحمأة الحيوانية والنفايات العضوية في عمليات توفير الطاقة من النفايات وذلك منذ عدة سنين وصولا الى مشاريع وخطط في انتاج الوقود المتجدد منها كذلك، لافتاً إلى أنه تتم معالجة الحمأة الحيوانية بمقدار 84 في المئة في دول الخليج مشكلة بذلك عنصراً رئيسياً للاستثمارات في الوقود المتجدد بشكل محفز أيضا وتحديدا في سلطنة عمان لاستبدال ما يقارب 22 في المئة من الطاقة المستهلكة لديها، وهذا جانب من شأنه تعزيز أمنها الطاقي وكذلك خلق فرص عمل حقيقية لكوادرها البشرية والاستفادة المثلى من اللقيم المتجدد لديها على شكل نفايات لإنتاج طاقة متجددة.

وأوضح أن ذلك يأتي بالتزامن مع ثلاثة مشاريع ضخمة في السلطنة لاستغلال الموارد الطبيعية في إنتاج الطاقة المتجددة ومع خطط في التوسع كذلك لتدشين عدد أكبر منها، وتلك المشاريع تضم كلاً من مشروع ظفار لإنتاج 3.8 ميغا واط من الرياح ومشروع منح 1 و2 لإنتاج 1 غيجا واط ومشروع عبري (الظاهرة) لإنتاج 500 ميغا واط من الطاقة الشمسية مستغلة تقنية الخلايا الكهروضوئية، وكلها أعمال نفاخر بها على مستوى الخليج العربي في تدشين الطاقة المتجددة ووضعها على خريطة التحول الطاقي بالمنطقة. أما على مستوى الهيدروجين الأزرق والأخضر وصولاً الى الزهري، بحيث نرمز لآلية وكيفية الإنتاج من خلال عدد من الألوان التي تشير الى كيفية التعامل مع تقنية انتاج الهيدروجين والتعامل مع الانبعاثات الكربونية المصاحبة له، فقد تفطنت دول الخليج كافة باستثناء دولة الكويت لأهمية الهيدروجين كوقود للمستقبل وأهمية (توطين) تلك الصناعة كذلك داخل الدولة لتدخل في نطاق التحول العالمي للطاقة المصاحب للاهتمام بالبيئية والتقليل من الملوثات كذلك.

وأعرب عن تطلعه لرؤية دولة الكويت في مصاف الدول المتقدمة وان كان هناك اية تجاذبات على أي مستوى وجب ان تتحلل وتذوب تلك الفوارق والبدء بالعمل على أساس اقتصاد طاقي متنوع لا نفطي فقط والبدء بالعمل على تغير النظرة في كل القطاعات على انها لا تدير موارد احفورية فقط بل تدير موارد للطاقة بجميع اشكالها.

أما على المستوى الفني فقال: «أعتقد ان التحول الطاقي قادم لا محالة، وإننا ملتزمون امميا بالحياد الكربوني على مستوى القطاع النفطي كما جاء على لسان المسؤولين بحلول عام 2050، وعليه فالبدء بالأعمال الجادة وزيادة مشاريع الطاقة المتجددة محليا هو أمر لابد منه لأسباب عدة لا سيما المنافع الاقتصادية والبيئية على المدى الطويل».