العدل المطلق الذي ننشده للدولة
العدل المطلق الذي نتمنى أن يسود في دولتنا هو العدل الذي يبتعد عن جميع الأهواء، ولا تتحكم فيه العواطف والمصالح، ولا ينحاز إلا للحق، وذلك كما تصوره الآية الكريمة التي تقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا». (النساء- 135).
تأمر الآية المسلمين، أن يلتزموا بالعدل المطلق في حكمهم على الأمور، حتى لو كان ذلك الحكم مضرا لنفسك أو الوالدين أو الأقربين، كما تنهى الآية المسلمين، ألا تأخذهم عواطفهم فيناصرون الفقير ضد الغني إذا كان الفقير هو الظالم، ولا الضعيف ضد القوي إذا كان الضعيف هو الظالم، بل عليهم الابتعاد عن جميع أنواع الأهواء في حكمهم على الأمور، وأن يتحروا الالتزام بالعدالة والنزاهة، وعلى المسؤولين في الدولة الالتزام بتنفيذ أحكام القضاء وعدم الاستخفاف بها أو تجاهلها فإن هذا الاستخفاف سيفتح بابا من أبواب الشر في الدولة سيصعب إغلاقه.
لا شك أن مثل هذا العدل الذي شرحه الله للبشر، مهم لجميع المجتمعات البشرية، فعلى المجتمعات أن تحرص على توفير مثل هذا العدل لشعوبها لتعيش بأمن وسلام، فكيف يمكن لنا أن نوفر مثل هذا العدل لدولتنا؟
أولى الخطوات التي يجب اتباعها حسن اختيار القضاة، فعلى الدولة أن تدرس دراسة جيدة السيرة الذاتية لمن يتقدم لتولي منصب القضاء، ولا شك أن الدرجة العلمية الحاصل عليها المتقدمون لتولي هذا المنصب مهمة، فيجب أولا اختيار من حصل على درجات علمية أفضل.
ثانيا: يجب التمايز بين المتقدمين نسبة للمؤسسات العلمية التي التحقوا بها، فمن المؤكد أن معرفة مستوى الجامعات التي تلقى بها المتقدمون لتولي مناصب القضاء من الأمور المهمة، فعلى الوزارة أن يكون لديها دراسة وافية عن تلك الجامعات، وعن مستوى أعضاء الهيئة التعليمية، وكيف يتم اختيار الهيئة التعليمية لتلك الجامعات، وشروط ترقيتهم إلى الدرجات العلمية من مدرس إلى أستاذ مساعد إلى أستاذ، والمناهج التي يدرسها الطلاب في تلك الجامعات، وطرق التدريس التي تتبعها تلك الجامعات، وكذلك اهتمام تلك الجامعات بالبحث العلمي والتشجيع عليه، سواء للطالب أو لعضو هيئة التدريس. وإذا تم اختيار القاضي وفق تلك الشروط، يصبح جزءا من السلك القضائي، فهو المسؤول عن تدريبه وترقيته ومراقبته ومحاسبته إذا أخطأ، دون أن تتدخل جهة أخرى في شأن القضاء، إذا وفرت الدولة مثل هذه الشروط يمكن أن يتحقق فيها العدل المطلق الذي أشارت له الآية.