مع اقتراب عام 2024، من الواضح أن المواقف الحزبية بشأن القضايا الخلافية ستهيمن على المناقشات، في حين سيتم تجاهل «قضايا كبيرة» كثيرة، ويرجع هذا إلى حد كبير لأن أياً من الطرفين لن يرى أي ميزة في التصدي لها بالمناقشة، وفيما يلي ثلاثة اهتمامات مهمة لن تتم مناقشتها في عام 2024.
وأكبر «قضية كبيرة» لن تكون على جدول أعمال أي من الحزبين الرئيسين هي دور المال المفسد في سياستنا، فمنذ أن ألغت المحكمة العليا إصلاح تمويل الحملات، ارتفعت كلفة الانتخابات الاتحادية بشدة.
وفي عام 2020، تم إنفاق أكثر من 14 مليار دولار على انتخابات الرئاسة والكونغرس، أي أكثر من ضعف المبلغ الذي تم إنفاقه في عام 2016، وبعيداً عن المبالغ، فإن ما فعلته مطاردة الأموال لسياساتنا هو المثير للقلق.
فلم تعد أحزابنا السياسية موجودة كمنظمات تزود الناشطين على مستوى القاعدة بهياكل حكومية ومحلية ووصول هادف إلى صنع القرار، بل أصبحت الأحزاب والكيانات المرتبطة بها تعمل على جمع التبرعات بمئات الملايين من الدولارات في كل دورة انتخابية، ثم تقوم بتوزيع هذه الأموال على مجموعات استشارية لتطوير استراتيجيات الاتصال والحملات الإعلانية والاتصال بالناخبين لجمع أموال أكثر.
والقضايا التي تهم الاستشاريين هي تلك التي تجلب مزيداً من المال، والأكثر إضراراً بالعملية السياسية هو الدور الذي يؤديه المانحون الرئيسيون واللجان السياسية «المستقلة» الآن في تمويل الانتخابات، ففي عام 2020، تبرع 100 شخص بأكثر من 1.6 مليار دولار للجان السياسية التي تدعم مرشحين وأحزابهم، أي أكثر من 11% من الإجمالي الذي تم إنفاقه في الانتخابات بأكملها، وبلغ المبلغ الذي جمعته «اللجان المستقلة» وإنفاقه 3.3 مليارات دولار، مما يمنحها دوراً كبيراً في تحديد القضايا المثارة وتشكيل نتائج سباقات كثيرة. وكما رأينا في انتخابات عام 2022، أنفق بعض المليارديرات من أصحاب المصالح الخاصة الملايين في تمويل لجانهم السياسية الخاصة، مما أدى إلى إنشاء حملات إعلانية ضخمة للنيل من المرشحين الذين سعوا إلى هزيمتهم، ونتيجة لدور كثرة الأموال في سياستنا، قام كلا الحزبين بتكييف عملياتهما بالكامل لتتجلى فيها هذه المطاردة للأموال.
ولا يبدي أي من الحزبين استعداداً لتحدي التأثير المفسد للمال، و«القضية الكبيرة» الأخرى التي لن يثيرها أي من الطرفين هي المبلغ العبثي من الأموال التي يتم إنفاقها على صيانة وتحديث ترسانتنا النووية. فالولايات المتحدة لديها حالياً أكثر من 5500 رأس نووي، منها 3700 نشطة، والباقي غير نشطة، ويبلغ مخزون روسيا نحو 6000 رأس نووية. وتمتلك الولايات المتحدة وروسيا من هذه الأسلحة الفتاكة أكثر مما يمكن للمرء أن يجادل بأن هناك حاجة لها، ونحن ننتج رؤوساً حربية جديدة سنوياً ونعمل حالياً على ترقية ترسانتنا وتحديثها وإعادة تموضعها.
وهذا يكلف الخزانة الأميركية أكثر من 60 مليار دولار سنوياً، أو 634 مليار دولار على مدى العقد المقبل، وبالطريقة نفسها التي لا يثير بها أي من الطرفين قضية إصلاح تمويل الحملات الانتخابية، وهو أمر يشبه نزع السلاح من جانب واحد، فمن المحرمات في السياسة الحديث عن وضع ضوابط جادة على ترسانتنا النووية.
وفي الثمانينيات، حاولت الحملة الانتخابية لجيسي جاكسون تقديم منصة دعائية تدعو الولايات المتحدة إلى التعهد بألا «تكون أول من يستخدم» القنابل النووية، وأكد جاكسون أنه لا يمكن لأي من الجانبين استخدام رأس حربي نووي لأنه سيؤدي إلى «تدمير مضمون للطرفين»، وفي الواقع، قال إنه «لا يوجد استخدام أول ولا استخدام ثان، وفي الواقع، لم يتم استخدام القنبلة على الإطلاق».
وكان رد فعل مؤسسة الحزب سلبياً، لتعلن أن «عدم الاستخدام الأول» من شأنه أن يجعل «الديمقراطيين» يبدون ضعفاء، وتم رفض القرار ولم يتم التقدم به مرة أخرى، وهناك قضية أخرى لن تتم مناقشتها في العام المقبل وهي ميزانيتنا الدفاعية المتضخمة، وقد تحددت الآن لتصبح 842 مليار دولار بحلول عام 2024، بزيادة أكثر من 126 مليار دولار في عامين، وما زالت تواصل النمو، دون رادع، في المستقبل.
ولا يخفى على أحد أن هذا المبلغ ينطوي على إهدار كبير للمال، لكن لا أحد يجرؤ على تحدي هذه «البقرة المقدسة»، ولا يعني أي من هذا أن انتخابات 2024 ستكون بلا مضمون، بل ستتم مناقشة الاهتمامات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الحرجة، وبالنظر إلى الاستقطاب العميق القائم بين الحزبين حول قضايا كثيرة، سيكون أمام الناخبين خيار حقيقي، لكن سيكون الأمر أكثر أهمية إذا كان دور المال المفسد في السياسة، ومخزوننا النووي المكلف وغير المجدي، وميزانية الدفاع المتضخمة مطروحاً للنقاش أيضاً، لكن، للأسف، لن تتم مناقشة هذه الأمور في عام 2024.
* رئيس المعهد الأميركي العربي في واشنطن.