المواطنة... الهوية... والدولة المعاصرة
يظنّ الكثيرون - بمنطلقات خاطئة - أن طرح موضوع الهوية والمواطنة والتأكيد على محوريتها بالنسبة إلى الدولة - أية دولة - فيه نوع من التمييز أو العنصرية أو التعالي على الناس، وهذا وهمٌ بيّن وادّعاء باطل مردود على مدّعيه.
فالبناء الطبيعي للدولة عبر العصور يقام على العناصر الثلاثة التي تتكون منها أية دولة، الأرض، والشعب، والسلطة.
وقد تم الإقرار الإنساني والواقعي وكذلك الشرعي، لمفهوم الدولة الإقليمية، أي التي تُقام على إقليم جغرافي محدد (أي الأرض)، ويتحدد مكونها السكاني في زمن ولحظة معيّنة (الشعب)، وتتولى تصريف أمورها وتقوم على مسؤولياتها حكومة (السلطة).
وقد أقامت الأمم والشعوب دولاً مختلفة، دون أن تنسلخ تلك الدول عن انتمائها القومي أو الأممي، رغم كونها دولة إقليمية وفقاً لما بيّناه أعلاه.
ويمكن أن تقبل الدولة إدخال مجموعات جديدة ضمن الشعب أو الرعايا، لكن تكون بصورة منهجية وبطريقة محددة، لمنع طغيانها على شعب الدولة الأساسي، وهو أمر منطقي وطبيعي، وليس بالضرورة أن يكون أولئك المنظمون الجدد من الشعب والرعايا مواطنين يتمتعون برابطة مواطنة كاملة بالدولة، إذ قد يكون هناك مواطنون بحقوق مقيدة أو مجرد سكان وافدين داخل الدولة، سواء حصلوا على إقامة دائمة أو مؤقتة.
فالمواطنة، التي تعبّر عنها اليوم الوثيقة الرسمية (وهي الجنسية)، أو (الهوية الوطنية)، لا يحصل عليها بصورة تلقائية وراسخة سوى أهل الدولة الأصليين الذين يتمتعون بكل الحقوق ويتحملون كل الواجبات، وهم المواطنون، وربّما يلحق بهم مواطنون آخرون وبعدد محدود وبصفات محددة وحقوق مقيّدة، وهؤلاء هم المتجنسون.
وعليه، فإن الدولة المعاصرة، ومنها الكويت، تقوم بتحديد مَن يمكن أن يحصل على مواطنيتها (أي الجنسية)، بسقف عددي معلوم ومُسبق، ويتبع ذلك تحديد حقوقهم، التي لا تتماثل وحقوق أهل البلد الأصليين، حفاظاً على سيادة الدولة وأمنها ومصالحها الوطنية العليا.
ونجد أن هذا التوجه قد تبنّاه النظام القانوني الكويت، الذي أرسى أسسه الدستور، وضبطت طبيعته وحدوده عدة قوانين هي قانون الجنسية وقانون الانتخاب وقوانين الجيش والشرطة والحرس الوطني، وكذلك قانون التعبئة العامة وقانون الأحكام العرفية، وغيرها بمنظومة قانونية متكاملة.
وفي سياق ذلك، حدد قانون الجنسية الكويتي المؤسس والكويتي بصفة أصلية، وهو ابن المؤسس فقط، وقد اعتمد الدستور هذا التوجه وجعله ركناً جوهرياً لبناء الدولة، ولم يمد تلك الصفة للمتجنس أو أبنائه، وقد تتابع هذا السياق، فحدد قانون الانتخاب المرشح والناخب من منطلقات ذلك السياق الخاص (بالمواطنة)، وهكذا عملت بقية القوانين المشار إليها أعلاه.
ومن البديهي ألّا يكون المتجنس وأبناؤه إلّا بالصفة التي على أساسها كسب هو أو أصوله الجنسية، ومن ثم تكون تبعية الفرع للأصل، ولا يكون حائزاً لصفة أو وصف أفضل لا يتمتع به الأصل أساساً.
وبالضرورة عدم دخول مزدوج الجنسية ضمن المواطنين، لأنّ الازدواج مُحرّم ومُجرّم قانوناً، ومن يكون بهذا الوضع يُعد مخالفاً، عليه تصحيح وضعه خلال فترة زمنية محددة في بعض الأحوال، ودون تلك الفترة بأحوال أخرى، ويترتب على ازدواجه عدم جدارته بالجنسية الكويتية وإسقاطها أو سحبها منه حسب الأحوال.
وبالضرورة، فإنّ المزورين الدين حصلوا على الجنسية، من دون وجه حق، بالتزوير أو التدليس أو الانتحال، أو بتغيير البيانات والمعلومات، ينبغي اتخاذ إجراءات فورية تجاههم بإسقاط الجنسية أو سحبها.
فالهوية الوطنية اليوم هي ركيزة جوهرية لسلامة الدولة وسيادتها، والمواطنة لا يمكن أن تكون إلا وفقاً للمحددات القانونية التي أرسيت عليها الكويت.
ولذا، لا مفرّ من إنشاء الهيئة العامة للجنسية لتنقية هذا الملف، فهل يُعقل أن يكون عدد الناخبين في بلدي الكويت أكثر من الكويتيين الأساسيين؟!
إنها حالة فريدة لا توجد إلّا في بلد تم العبث بسيادته وتزوير هويته، وفلَتَ أمنه، فاختل فيه مسار الدولة.
إعادة الأمور إلى نصابها قرار سيادي ووطني عاجل ومُلحّ.