التسامي على الاختلاف إنجاز بلا انحراف
تسامٍ طيب ذلك الذي أظهرته الأغلبية البرلمانية (المكونة مبدئياً من 49 نائباً)، بوضعها ما أطلقت عليه خريطة الطريق التشريعية لتحقيق الإنجاز ووضع أرضية طيبة للتوافق النيابي ــ النيابي تشريعياً، وتمهيد الطريق لتوافق نيابي ــ حكومي تشريعي أيضاً، من خلال دعوة الحكومة أن تبني برنامجها بالتوافق مع الأغلبية البرلمانية المذكورة.
وعلى الرغم من وجود اختلافات متفاوتة بين النواب في هذه الأغلبية، تبعاً لبعض التباين في الأطروحات والوعود أو الالتزامات أو الاتجاهات أو غيرها من الأمور، لدى أي عضو من الأعضاء أو أية مجموعة من الأعضاء، فإن السير في طريق بوادره جادة وتتسم بالتسامي على الاختلافات والالتقاء على الأولويات التشريعية بين الأغلبية البرلمانية هو أمر حميد وسابقة راقية سياسياً وحضارياً، بل وسمة لفضائل برلمانية للعمل الجماعي، فُقدت لدينا، بسبب أنظمة انتخابية معيبة ومشوهة فُصلت بمقاسات خاصة غير وطنية، وطبيعة النزعة الفردية التي وسمت الممارسة البرلمانية الكويتية منذ نشأتها، تبعاً لنظام برلماني تغيب عنه الأحزاب السياسية أو القوائم، إلى جانب غياب تداول رئاسة الوزراء في كنف الأغلبية البرلمانية.
وعلى الرغم من حالة التسامي وما اشتملت عليه من سمات حميدة وفضائل نجيبة، فإنه لا مفر من الإشارة إلى ركائز جوهرية ينبغي للأغلبية الاستجابة لها لإكمال هذه السمات وتكريس تلك الفضائل، حتى لا يتم نقض ذلك من بعد قوة أنكاثاً، ولمنع ظهور الاختلاف وتجنب حدوث الانحراف، وهي توجز بما يلي:
- تمكين الحكومة من النهوض بمهامها التنفيذية، بإفساح المجال لها لوضع برنامجها السياسي، دون ضغوط أو تدخلات أو إملاءات، واحترام اختلافها مع النواب في الأولويات، وهي الأدرى بمداخل العمل التنفيذي ومخارجه، مع إفساح المجال لها لتطبيق البرنامج، ولعل برنامجها بمجلس 2022 نموذج ينبغي التمسك به.
- تغليب المصلحة العامة وحالة الاستقرار التي يحتاجها البلد، ولا يتحقق ذلك إلا بكبح جماح التدافع غير المنطقي والتعسف في استخدام أدوات المساءلة بشكل منحرف، بتوجيه أسئلة بالمئات دون جدية وبلا جدوى حقيقية بل للاستعراض السياسي أو الابتزاز والتكسب، أو بتشكيل لجان تحقيق متلاحقة لا طائل من ورائها غير إبراء الذمة أو إخضاع الحكومة للابتزاز المقزز، أو بالتعجل في تقديم استجوابات للتخويف والابتزاز أو للثأر والانتقام والمجد الشخصي.
- وقف مظاهر المنافسة الطفولية والتسابق المحموم لدى النواب ببناء كل منهم لرصيد من الأسئلة أو المقترحات أو التهديدات والتي لا تسمن ولا تغنى من جوع، سوى التكسب الانتخابي الرخيص.
- وضع نظام للقيم والسلوكيات والنزاهة البرلمانية وتشكيل لجنة خاصة به، وتحمل كل نائب لمسؤولياته دون مجاملة أو تهاون أو تستر على زملائه المخالفين لقواعد تعارض المصالح أو لنظام القيم.
- عدم التعجل والارتجال بإقرار التشريعات، تحت ستار الإنجاز، وهي مليئة بالمآخذ والثغرات وموضع اختلاف، دون استمزاج لرأي الجهات المعنية وأهل الاختصاص.
- عدم اقتحام ميادين واختصاص وعمل أي من السلطتين التشريعية والقضائية احتراماً لأحكام الدستور برسم حدود السلطات وخصوصاً المواد 20 و98 و115 و123، و140 من الدستور والتي رسمت مجالات عمل السلطة التنفيذية وحجبت الأعضاء أن يغشوا ميادينها بمطالبات ومقترحات منحرفة مالياً ترهق الدولة وتتجاوز بيانات ومعرفة الحكومة بتبعاتها، أو محاولة فرض تسيير مرافق أو إنشائها أو التدخل بنمط إدارة الدولة مما يعد انحرافاً غير جائز للأعضاء دخول ميادينه. ولئن تم ذلك فعلى الحكومة التصدي بشجاعة وندية وبحضور سياسي وإعلامي لتفنيد ذلك.
وخلاصة القول أنه إذا استوعب الأعضاء ذلك والتزموا به، دون اندفاع أو غرور بتلك الأغلبية، وبلا انحراف أو تعسف في ممارسة الاختصاص، فآنذاك، وآنذاك فقط نقول تم التسامي على الاختلاف... وبدأت مسيرة الإنجاز بلا انحراف.