بقايا خيال: حروب المتأسلمين في وزارة التربية
ما إن أصدر وزير التربية والتعليم العالي د.حمد العدواني قراره بإيقاف ابتعاث التخصصات الطبية للجامعات الأردنية والمصرية، حتى ثارت ثائرة نواب التأسلم السياسي على القرار قبل اطلاعهم على أسباب إصداره من منطلق أكاديمي بحت، بهدف الحفاظ على الكفاءة العلمية والفنية والمهنية لخريجي هذه التخصصات أياً كانت الكلية التي يتخرجون منها، ولاحظ أن النواب المعارضين لهذا القرار ضربوا بمبدأ الفصل بين السلطات عرض الحائط، وبدأوا بالتحرش بالسلطة التشريعية والتدخل في أمورها الفنية البحتة قبل أدائهم القسم الدستوري، وهذا يدل دلالة قاطعة أن نواب تيارات الإسلام السياسي، وقبل دخولهم قاعة عبدالله السالم يحاولون استخدام «العين الحمرة» مع الحكومة، وإخضاع وزارة التربية والتعليم العالي لسيطرتهم، وكأن التاريخ يعيد نفسه ليذكرنا بما حدث قبل ثلاثين سنة عندما تحرش النواب المتأسلمون بوزير التربية آنذاك الراحل د.أحمد الربعي واختلقوا حينها تهمة إلغاء آيات قرآنية من مناهج التربية الإسلامية واللغة العربية، أو سالفة الاختلاط لزحزحة الوزير من هذه الوزارة، فهم مبدعون في البحث عن جنازة يشبعون بها لطماً.
في تلك الفترة أذكر أن عضو مجلس الأمة الأسبق د.إسماعيل الشطي اقترح على الوزير الربعي أن يتولى حقيبة وزارة الإعلام بدلاً من وزارة التربية، لأن التربية منذ إقامتها– حسب وصف د.الشطي- وهي تخضع للصراعات السياسية فلا يصلح لها شخص مصنف سياسياً، وذكر أن وزارة التربية عرضت عليه لكنه اعتذر لأنه مصنف سياسياً، هذا ما قاله د.الشطي آنذاك، ولكن ماذا لو حمل حقيبة وزارة التربية والتعليم العالي اليوم شخص آخر لا ينتمي إلى تيار سياسي، مثل د.العدواني، ولكنه طبق سياسة د.الربعي نفسها في الوزارة بعدم قبول الواسطات؟ فهل ستغلق أفواه المصالح الانتخابية وتسكت ألسن النزاعات الحزبية، وتتوقف المطالبات بالرضوخ لأهوائهم ومصالحهم، حتى إن كانت تعارض المصلحة العامة؟ وهل سيكتفون بالمطالبة بإقالة أو استقالة وزير أو التهديد باستجوابه لإقصائه والإتيان بوزير جديد ينتمي إلى تيارهم؟ وهل ستستقيم الأمور عندها؟
أنا أعرف أن أعضاء مجلس الأمة الذين نالوا ثقة الناخبين بإمكانهم الاتصال بأي مسؤول وطلب أي معلومة، فلماذا لم يبذل النواب الخمسة المعترضون جهداً في الاتصال بوزير التربية نفسه والاستفسار منه مباشرة عن أسباب اتخاذه قرار وقف البعثات الطبية إلى مصر والأردن؟ حينها، كان بإمكانهم إعلان اعتراضهم على القرار، مدعين أنه لم يكن مدروساً أكاديمياً أو أنه جاء لتنفيذ أجندة متنفذين أو لأي سبب غير أكاديمي ولا يتوافق مع المصلحة العامة، أما وقد جاء الاعتراض فجأة دون سابق إنذار فهذا دليل على محاولة تيارات الإسلام السياسي تثبيت دعائم سيطرتهم على مؤسسات الدولة، ولهذا فنحن عندما ندافع عن القرار الذي اتخذه وزير التربية والتعليم العالي، فنحن لا ندافع عن د.حمد العدواني كشخص، وإنما ندافع عنه كمسؤول يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، ونعطي إشارات واضحة لأصحاب الضمائر الحية المخلصة للوطن عموماً، وللنواب والسياسيين خصوصاً، لإيقاف أصحاب المصالح الخدماتية والمصالح الانتخابية والأهداف الحزبية عند حدها من أجل القضاء على الفساد الذي انتشر في الجسد الكويتي الجميل، خصوصاً في وزارة التربية.