من صيد الخاطر:«هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ»
«هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ»، فالمهادنة في كلام العرب هي السكون وملاينة أحد طرفي النزاع تجاه الآخر طلبا للمصالحة التي ستليها الهدنة، إلا أن العلة تكمن في «الدَخَنٍ» وهي كلمة تعني حرفيا تغيّر رائحة الطعام أو غيره بسبب ما يصيبه من الدخان، ولكنها هنا تعني فساد الضمائر والنيات رغم توقيع الهدنة أو الحلف، فالـمثل «هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ» قصد به أن أي هدنة أو تحالف بُني أساسا على الحقد، وعلى نية سيئة، فستتبعه خيانة، وفي هذا قال الشريف المرتضى:
قد كنتُمُ هادَنْتمونا مرَّة
ثمَّ التويْتُمْ هُدْنَةً على دَخَنْ
وقال أحمد شوقي:
يَبنون حائطَ مُلْكِهم في هُدنَة
وعلى عواقبِ شحنةٍ وخصام
وقال المتنبي:
فلا أُحارِبُ مَدْفُوعاً إلى جُدُرٍ
ولا أُصالِحُ مَغروراً على دَخَنِ
وقد ذكر أن الصحابي حذيفة بن اليمان سأل النبي، صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللهِ، هل بعد هذا الخير شر؟ قال: فتنة وشر، قلت: يا رسول اللهِ، هل بعد هذا الشر خير؟ قال: يا حذيفة، تعلّم كتاب الله، واتّبع ما فيه، قالها ثلاث مرارٍ، قلت: يا رسول اللهِ، هل بعد هذا الشر خير؟ قال: «هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ»، فيها جماعة على أقذاء، قلت: يا رسول اللهِ، الـ«هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ» ما هي؟ قال: لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه، قلت: يا رسول اللهِ، أبعد هذا الخير شر؟ قال: فتنة عمياء صماء، عليها دعاة على أبواب النار، فإن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحداً منهم.
وقد قال النبي ﷺ: «لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين»، فإذا كان لا بد من المصالحة أو التحالف مع من عرفت عنه الخيانة والغدر، فأضعف الإيمان أخذ الحذر، كل الحذر.
ملحوظة: مقتطف من التراث بتصرف.