الديموقراطية بحاجة إلى سياسة تسويقية جديدة
تسير الديموقراطيات العالمية والمحلية على طريق ضيّق ولا يكون مستقبلها مضموناً، لا داخلياً ولا في أنحاء العالم، ولهذا السبب تحديداً، يحتاج الغرب اليوم إلى خطة جديدة.
اعتبر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، في خطاب جديد ألقاه في «ديتشلي بارك»، أن المرحلة الراهنة تشكّل نقطة انعطاف عالمية، بما يشبه أولى السنوات بعد الحرب العالمية الثانية أو المرحلة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، حين اضطرت الدول الغربية لإعادة النظر بسياساتها الخارجية والمحلية.
قال بلير: «نحن نحتاج إلى خطة جديدة ونظرة مختلفة إلى العالم كي نتمكن من فهمه وتحديد أفضل طريقة لضمان تقدّم شعوبه... تحتاج الديموقراطيات الغربية إلى مشروع جديد وقادر على تقديم التوجيهات وبث الأمل وطرح تفسير صادق للتغيرات التي يشهدها العالم وسبل النجاح فيه».
هو محق في كلامه، فقد أصبحنا بحاجة إلى خطة جديدة فعلاً.
تختلف التحديات العاجلة في هذا العصر عن المنعطفات السابقة، لأن مظاهر اللا مساواة الاقتصادية المتزايدة داخل الديموقراطيات الغربية أصبحت اليوم محركاً أساسياً للجماعات الشعبوية المثيرة للانقسام، مما يسمح لها بنشر مشاعر انعدام الثقة وزرع بذور الفوضى في أنظمة الحُكم الديموقراطية. نتيجةً لذلك، يحصد عدد صغير من الأثرياء ثروات إضافية، ويستمر استنزاف الطبقات الوسطى، ويتحمّل الفقراء أعباء التقلبات الناجمة عن العولمة، أو التغير المناخي، أو زيادة التضخم، أو ارتفاع كلفة المعيشة.
يُفترض أن تُعالَج الأسباب الأصلية لظهور الحركات المناهضة للديموقراطية، محلياً وخارجياً، وتوضع أسس استراتيجية جديدة للحفاظ على قوة الديموقراطية ووحدتها في الخارج.
في المقام الأول، يجب أن ننتج ظروفاً اقتصادية مشتركة على نطاق أوسع لمعالجة مشاكلنا السياسية محلياً، ولإخماد مشاعر القلق والبغض التي يسهل تأجيجها في أنظمتنا الديموقراطية. تتطلب هذه العملية سدّ الثغرات المتوسّعة في الفرص الاقتصادية، فهي تنشر أجواء الإحباط، وتبث مشاعر الحنين، وتكبح التعاون الدولي. يُفترض أن يترافق جزء من هذا الهدف مع تقوية الجماعات المهمّشة وإعادة تشكيلها، حيث تحتاج جميع الفئات إلى درجة من المشاركة قبل النجاح في معالجة هذه التحديات الداخلية والعالمية، ويجب أن يشعر كل فرد بأنه يسيطر على مستقبله بنفسه.
تبدأ هذه المقاربة محلياً، حيث يشارك القادة الوطنيون في تحفيز ودعم جهود تنشيط الاقتصاد التي تخضع لإدارة محلية، وتزدهر الديموقراطية واقتصادات السوق حين يحصل عدد متزايد من الناس على فرص مضاعفة للمشاركة وحصد المنافع، ويجب أن يتمحور مشروع قادة الديموقراطيات الغربية حول تعلّم الإصغاء إلى الطبقات العاملة، واحترامها، والتواصل معها، وتلبية حاجاتها، لا سيما في المناطق الصناعية المؤثرة سياسياً في وسط المدن، إذ يسهل أن تتحوّل هذه الأماكن إلى بؤر للبغض والاضطرابات.
تتعدد المسارات التي تسمح بتجديد الازدهار في المناطق الصناعية الواقعة في أماكن متشابهة داخل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأوروبا، بما في ذلك ترميم البيئات التي خسرت ركائزها الاقتصادية، لقد استنتجنا أن الجماعات التي تجاوزت الظروف الاقتصادية الخطيرة تتكل على هويتها وابتكاراتها وإنتاجاتها، لكنها تستعملها لبناء مستقبلها وتنويع مصادرها، فهي تستخدم الموارد التي تملكها، وتُصمّم رؤيتها الاستراتيجية الخاصة، وتنفذ مخططاتها، لإحداث التغيير الاقتصادي المنشود.
يلجأ البعض إلى الابتكار ويؤسس شركات جديدة في قطاعات ناشئة بالاتكال على الجامعات والمؤسسات البحثية، ويصبح البعض الآخر من الجماعات الأكثر تدريباً وتعليماً. يتقبّل جزء منهم العالم المبني على العولمة، ويبني صناعات تصديرية، ويصمّم شبكات دولية جديدة، ويرحّب بالمهاجرين الجدد. لكن يفضّل آخرون تطوير اقتصاداتهم الخضراء والزرقاء المستدامة بناءً على الطاقة النظيفة والحلول المائية الذكية، كذلك، يمكن إيجاد مسارات النجاح في جماعات أخرى عبر بناء تاريخ فريد من نوعه، أو ابتكار فنون وثقافات استثنائية، أو إنشاء مواقع طبيعية مميزة على طول المياه أو في الجبال، أو من خلال تطوير وسائل راحة اجتماعية تضمن نوعية حياة عالية الجودة.
لكن قد يتعلق أهم استنتاج على الأرجح بما يستطيع القادة المحليون والوطنيون فعله لتسهيل هذا التحوّل، حيث يمكنهم تحقيق هذا الهدف عبر مقابلة السكان في وسط المدن بكل لباقة واحترام وتفهّم، والنظر إلى المسائل من وجهة نظر سكان المناطق الغارقة في المشاكل، لا سيما تدهور الوضع في وسط المدن، وخسارة الشباب، واختفاء المؤسسات المهمة، من خلال التعامل مع السكان بكل تواضع والتعاطف معهم، أو إخبارهم بأهمية التغيير، أو بما يحتاجون إلى تغييره. لا يمكن إحداث أي تغيير وسط السكان من الخارج، بل يُفترض أن تُدار أي خطط أو رؤية جديدة للمستقبل محلياً.
ستكون هذه الخطة بالغة الأهمية للغرب، لكنها ترتبط في المقام الأول بمشكلة محلية تتعلق بالحفاظ على ديموقراطيتنا في وجه التهديدات المنبثقة من الداخل، وسنحتاج أيضاً إلى سياسة خارجية جديدة وأجندة دولية فاعلة وأكثر صرامة في مجالات التنمية، والتجارة، والاستثمار، والتواصل، للتصدي للحكام المستبدين وتقوية نفوذ التحالف الديموقراطي.
ستكون أي خطة قوية ومبنية على مبدأ «دعم الحلفاء» العنصر الأساسي في هذه النسخة الجديدة والإيجابية من السياسة الخارجية التي تهدف إلى تقوية اقتصاداتنا الغربية، ودعم تحالفاتنا وتوسيعها، وتقديم عرض جاذب إلى البلدان المترددة كي تعمل وتستفيد معنا، مما يسمح بالتصدي لعروض المساعدات التنموية المبنية على الفساد والتبعية، لا سيما تلك التي تقدّمها الصين، كذلك، تسمح مقاربة دعم الحلفاء بتخفيف الاتكال على سلاسل الإمدادات، عبر الحد من التعرّض للسلاسل المحورية، منعاً للاتكال المفرط على الأنظمة الفاسدة والمعرّضة للتجسس والقرصنة أو استعمال تبعيّتنا كأداة للإكراه السياسي.
لقد اتضحت اليوم التهديدات التي يواجهها المستهلكون والأسواق نتيجة الاتكال المفرط على إمدادات الغاز والنفط والحبوب الروسية، واستفادة الصين من جميع المنتجات، بدءاً من المعدات الشخصية الواقية وصولاً إلى المعادن الأساسية.
أصبحت الحاجة مُلِحّة إلى نشوء تحالف جديد مع ديمقراطيات عالمية أخرى تريد تكثيف التعاون وتقوية النظام العالمي المنفتح والحرّ والمبني على القواعد، وترغب في دعم اقتصاداتنا وزيادة نفوذها السياسي وحتى العسكري عند الحاجة. بدأ الرئيس الأميركي جو بايدن محاولاته لإطلاق هذا النوع من الجهود عبر سلسلة من قمم الديموقراطية التي ينظّمها.
يجب أن تبدأ هذه الجهود مع الأنظمة الديموقراطية، كما يقول المحللان آش جاين وماثيو كرونيغ في اقتراحهما الممتاز للاستراتيجية التجارية الجديدة للديموقراطيات، لكن يُفترض أن تشمل هذه المبادرة أيضاً الدول شبه الديموقراطية التي تُعتبر من أبرز الشركاء الاقتصاديين، مثل فيتنام، إذ يجب أن نشجّعها على السير في اتجاهنا وندفعها إلى الموافقة على بعض المعايير الواضحة لإطلاق جهود تنموية وإقامة علاقات اقتصادية منفتحة ومبنية على قواعد دقيقة. نحتاج أيضاً إلى عدد كبير من الشركاء في البلدان النامية إذا أردنا أن نحافظ على المنافع الجماعية لسلاسل الإمدادات العالمية الفاعلة، بما في ذلك المجموعة التي تتراجع فيها كلفة الإنتاج، وستستفيد هذه البلدان في المقابل من النمو الاقتصادي، وارتفاع مستوى المعيشة، وتحسين مرتبتها في السلسلة الغذائية.
قد لا يحلّ هذان المساران (تنشيط المعاقل الصناعية ودعم الحلفاء) جميع مشاكل العالم، لكنهما يشكّلان نقطة بداية إيجابية. يمكن إنقاذ الوضع مجدداً عبر قِيَمنا ومؤسساتنا الديموقراطية بهذه الطريقة، كان بلير محقاً حين قال إن النظام العالمي أصبح على مفترق طرق سياسي واقتصادي، وينطبق هذا الوضع تحديداً على البلدان التي اعتبرت هذا النوع من التجارب جزءاً من الماضي بعد انتهاء الحرب الباردة، كنا نظن أن ذلك التاريخ وصل إلى نهايته، لكن أثبت احتدام الصراعات الحقيقية والحروب بالوكالة أنه لم ينتهِ بعد.
في النهاية، تسير الديموقراطيات العالمية والمحلية على طريق ضيّق ولا يكون مستقبلها مضموناً، لا داخلياً ولا في أنحاء العالم. ولهذا السبب تحديداً، يحتاج الغرب اليوم إلى خطة جديدة.
* جون أوستن وإيلين ديزينسكي
قال بلير: «نحن نحتاج إلى خطة جديدة ونظرة مختلفة إلى العالم كي نتمكن من فهمه وتحديد أفضل طريقة لضمان تقدّم شعوبه... تحتاج الديموقراطيات الغربية إلى مشروع جديد وقادر على تقديم التوجيهات وبث الأمل وطرح تفسير صادق للتغيرات التي يشهدها العالم وسبل النجاح فيه».
هو محق في كلامه، فقد أصبحنا بحاجة إلى خطة جديدة فعلاً.
تختلف التحديات العاجلة في هذا العصر عن المنعطفات السابقة، لأن مظاهر اللا مساواة الاقتصادية المتزايدة داخل الديموقراطيات الغربية أصبحت اليوم محركاً أساسياً للجماعات الشعبوية المثيرة للانقسام، مما يسمح لها بنشر مشاعر انعدام الثقة وزرع بذور الفوضى في أنظمة الحُكم الديموقراطية. نتيجةً لذلك، يحصد عدد صغير من الأثرياء ثروات إضافية، ويستمر استنزاف الطبقات الوسطى، ويتحمّل الفقراء أعباء التقلبات الناجمة عن العولمة، أو التغير المناخي، أو زيادة التضخم، أو ارتفاع كلفة المعيشة.
يُفترض أن تُعالَج الأسباب الأصلية لظهور الحركات المناهضة للديموقراطية، محلياً وخارجياً، وتوضع أسس استراتيجية جديدة للحفاظ على قوة الديموقراطية ووحدتها في الخارج.
في المقام الأول، يجب أن ننتج ظروفاً اقتصادية مشتركة على نطاق أوسع لمعالجة مشاكلنا السياسية محلياً، ولإخماد مشاعر القلق والبغض التي يسهل تأجيجها في أنظمتنا الديموقراطية. تتطلب هذه العملية سدّ الثغرات المتوسّعة في الفرص الاقتصادية، فهي تنشر أجواء الإحباط، وتبث مشاعر الحنين، وتكبح التعاون الدولي. يُفترض أن يترافق جزء من هذا الهدف مع تقوية الجماعات المهمّشة وإعادة تشكيلها، حيث تحتاج جميع الفئات إلى درجة من المشاركة قبل النجاح في معالجة هذه التحديات الداخلية والعالمية، ويجب أن يشعر كل فرد بأنه يسيطر على مستقبله بنفسه.
تبدأ هذه المقاربة محلياً، حيث يشارك القادة الوطنيون في تحفيز ودعم جهود تنشيط الاقتصاد التي تخضع لإدارة محلية، وتزدهر الديموقراطية واقتصادات السوق حين يحصل عدد متزايد من الناس على فرص مضاعفة للمشاركة وحصد المنافع، ويجب أن يتمحور مشروع قادة الديموقراطيات الغربية حول تعلّم الإصغاء إلى الطبقات العاملة، واحترامها، والتواصل معها، وتلبية حاجاتها، لا سيما في المناطق الصناعية المؤثرة سياسياً في وسط المدن، إذ يسهل أن تتحوّل هذه الأماكن إلى بؤر للبغض والاضطرابات.
في غضون ذلك، يُعتبر تجاوز الانقسامات الاقتصادية مشروعاً دولياً عاجلاً بالقدر نفسه، وتزامناً مع تعلّم كيفية تسريع التغير الاقتصادي في المناطق الصناعية، تتعدد المصالح المشتركة والمشاريع العاجلة لسد الفجوات الاقتصادية وحصد المنافع السياسية التي ينتجها «السلام» والتماسك على المستويَين الاجتماعي والسياسي. يجب أن نتمسك بالخطوات الفاعلة محلياً وننشر المقاربات الناجحة على نطاق أوسع ونتقاسمها مع حلفائنا، ويمكننا أن نتعلّم من بعضنا، بصفتنا شركاء دوليين، ونتعاون في ما بيننا لتحديد أفضل مقاربة في هذا المجال.نحتاج إلى عدد كبير من الشركاء في البلدان النامية إذا أردنا المحافظة على المنافع الجماعية لسلاسل الإمدادات العالمية الفاعلة
تتعدد المسارات التي تسمح بتجديد الازدهار في المناطق الصناعية الواقعة في أماكن متشابهة داخل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأوروبا، بما في ذلك ترميم البيئات التي خسرت ركائزها الاقتصادية، لقد استنتجنا أن الجماعات التي تجاوزت الظروف الاقتصادية الخطيرة تتكل على هويتها وابتكاراتها وإنتاجاتها، لكنها تستعملها لبناء مستقبلها وتنويع مصادرها، فهي تستخدم الموارد التي تملكها، وتُصمّم رؤيتها الاستراتيجية الخاصة، وتنفذ مخططاتها، لإحداث التغيير الاقتصادي المنشود.
يلجأ البعض إلى الابتكار ويؤسس شركات جديدة في قطاعات ناشئة بالاتكال على الجامعات والمؤسسات البحثية، ويصبح البعض الآخر من الجماعات الأكثر تدريباً وتعليماً. يتقبّل جزء منهم العالم المبني على العولمة، ويبني صناعات تصديرية، ويصمّم شبكات دولية جديدة، ويرحّب بالمهاجرين الجدد. لكن يفضّل آخرون تطوير اقتصاداتهم الخضراء والزرقاء المستدامة بناءً على الطاقة النظيفة والحلول المائية الذكية، كذلك، يمكن إيجاد مسارات النجاح في جماعات أخرى عبر بناء تاريخ فريد من نوعه، أو ابتكار فنون وثقافات استثنائية، أو إنشاء مواقع طبيعية مميزة على طول المياه أو في الجبال، أو من خلال تطوير وسائل راحة اجتماعية تضمن نوعية حياة عالية الجودة.
لكن قد يتعلق أهم استنتاج على الأرجح بما يستطيع القادة المحليون والوطنيون فعله لتسهيل هذا التحوّل، حيث يمكنهم تحقيق هذا الهدف عبر مقابلة السكان في وسط المدن بكل لباقة واحترام وتفهّم، والنظر إلى المسائل من وجهة نظر سكان المناطق الغارقة في المشاكل، لا سيما تدهور الوضع في وسط المدن، وخسارة الشباب، واختفاء المؤسسات المهمة، من خلال التعامل مع السكان بكل تواضع والتعاطف معهم، أو إخبارهم بأهمية التغيير، أو بما يحتاجون إلى تغييره. لا يمكن إحداث أي تغيير وسط السكان من الخارج، بل يُفترض أن تُدار أي خطط أو رؤية جديدة للمستقبل محلياً.
ستكون هذه الخطة بالغة الأهمية للغرب، لكنها ترتبط في المقام الأول بمشكلة محلية تتعلق بالحفاظ على ديموقراطيتنا في وجه التهديدات المنبثقة من الداخل، وسنحتاج أيضاً إلى سياسة خارجية جديدة وأجندة دولية فاعلة وأكثر صرامة في مجالات التنمية، والتجارة، والاستثمار، والتواصل، للتصدي للحكام المستبدين وتقوية نفوذ التحالف الديموقراطي.
ستكون أي خطة قوية ومبنية على مبدأ «دعم الحلفاء» العنصر الأساسي في هذه النسخة الجديدة والإيجابية من السياسة الخارجية التي تهدف إلى تقوية اقتصاداتنا الغربية، ودعم تحالفاتنا وتوسيعها، وتقديم عرض جاذب إلى البلدان المترددة كي تعمل وتستفيد معنا، مما يسمح بالتصدي لعروض المساعدات التنموية المبنية على الفساد والتبعية، لا سيما تلك التي تقدّمها الصين، كذلك، تسمح مقاربة دعم الحلفاء بتخفيف الاتكال على سلاسل الإمدادات، عبر الحد من التعرّض للسلاسل المحورية، منعاً للاتكال المفرط على الأنظمة الفاسدة والمعرّضة للتجسس والقرصنة أو استعمال تبعيّتنا كأداة للإكراه السياسي.
لقد اتضحت اليوم التهديدات التي يواجهها المستهلكون والأسواق نتيجة الاتكال المفرط على إمدادات الغاز والنفط والحبوب الروسية، واستفادة الصين من جميع المنتجات، بدءاً من المعدات الشخصية الواقية وصولاً إلى المعادن الأساسية.
أصبحت الحاجة مُلِحّة إلى نشوء تحالف جديد مع ديمقراطيات عالمية أخرى تريد تكثيف التعاون وتقوية النظام العالمي المنفتح والحرّ والمبني على القواعد، وترغب في دعم اقتصاداتنا وزيادة نفوذها السياسي وحتى العسكري عند الحاجة. بدأ الرئيس الأميركي جو بايدن محاولاته لإطلاق هذا النوع من الجهود عبر سلسلة من قمم الديموقراطية التي ينظّمها.
يجب أن تبدأ هذه الجهود مع الأنظمة الديموقراطية، كما يقول المحللان آش جاين وماثيو كرونيغ في اقتراحهما الممتاز للاستراتيجية التجارية الجديدة للديموقراطيات، لكن يُفترض أن تشمل هذه المبادرة أيضاً الدول شبه الديموقراطية التي تُعتبر من أبرز الشركاء الاقتصاديين، مثل فيتنام، إذ يجب أن نشجّعها على السير في اتجاهنا وندفعها إلى الموافقة على بعض المعايير الواضحة لإطلاق جهود تنموية وإقامة علاقات اقتصادية منفتحة ومبنية على قواعد دقيقة. نحتاج أيضاً إلى عدد كبير من الشركاء في البلدان النامية إذا أردنا أن نحافظ على المنافع الجماعية لسلاسل الإمدادات العالمية الفاعلة، بما في ذلك المجموعة التي تتراجع فيها كلفة الإنتاج، وستستفيد هذه البلدان في المقابل من النمو الاقتصادي، وارتفاع مستوى المعيشة، وتحسين مرتبتها في السلسلة الغذائية.
قد لا يحلّ هذان المساران (تنشيط المعاقل الصناعية ودعم الحلفاء) جميع مشاكل العالم، لكنهما يشكّلان نقطة بداية إيجابية. يمكن إنقاذ الوضع مجدداً عبر قِيَمنا ومؤسساتنا الديموقراطية بهذه الطريقة، كان بلير محقاً حين قال إن النظام العالمي أصبح على مفترق طرق سياسي واقتصادي، وينطبق هذا الوضع تحديداً على البلدان التي اعتبرت هذا النوع من التجارب جزءاً من الماضي بعد انتهاء الحرب الباردة، كنا نظن أن ذلك التاريخ وصل إلى نهايته، لكن أثبت احتدام الصراعات الحقيقية والحروب بالوكالة أنه لم ينتهِ بعد.
في النهاية، تسير الديموقراطيات العالمية والمحلية على طريق ضيّق ولا يكون مستقبلها مضموناً، لا داخلياً ولا في أنحاء العالم. ولهذا السبب تحديداً، يحتاج الغرب اليوم إلى خطة جديدة.
* جون أوستن وإيلين ديزينسكي