يُعدّ هيغل، من دون منازع، واحداً من أعظم الفلاسفة الذين وُلدوا فوق هذا الكوكب، ويعتبر مذهبه الفلسفي - الديالكتيك - الأشد تأثيراً من بين معظم الأفكار الفلسفية في القرنين التاسع عشر والعشرين، ودراسة هيغل ضرورية لفهم التيارات الفكرية العميقة التي قلبت المفاهيم بالنظر إلى التاريخ والمجتمع، ولذلك قيل بحقّ إنه ليس في وسع أحد أن ينفذ إلى فهم الفلسفة الماركسية ما لم يكن قد درس ديالكتيكية هيغل.
***
ويصعب على القارئ غير المتخصص أن ينفذ إلى مقاصد هيغل لوعورة أسلوبه وكثرة المصطلحات وتعقّدها، وأيسر كتبه علم الجمال، وفلسفة التاريخ.
ويلاحظ الباحث في مؤلفات هيغل أن لديه قاعدة فلسفية في دراسة الآداب اليونانية واللاتينية، إلى جانب درايته الواسعة بالرياضيات والعلوم الطبيعية ومناهج البحث العلمية، وكانت له قدرة عجيبة على جمع المعارف المختلفة وتصنيفها وتسجيلها في مذكرات، ولعل ذلك هو الذي أفاده فائدة عظيمة في محاضراته الجامعية، بل إنها كانت عاملاً مهماً من عوامل حفظ تراثه الذي نُشر بعد وفاته.
***كان هيغل يؤمن بأننا، كقراء، لا نستطيع أن نتعمق بتحليلاته تحليلاً مجرداً على الطريقة الكانطية، وإنما يتم تعمقنا لفكره من خلال تعمّقنا بتجربته الإنسانية، فهو يرى أن الفكر يشعّ في جوانب هذه التجربة علماً، وأدباً، وفناً، وأخلاقاً، وديناً، وقانوناً، وفلسفة... فالفكر هو الروح المحرّكة للحضارة الإنسانية.
***ومما كتبه هيغل أن الواقع الذي نواجهه بأحداثه وتقلباته في اللحظة الراهنة التي نعيشها، ليس كتلة منفصلة عن الفكر، وتأسيساً على هذه النظرة يرى أنه من العبث افتراض أشياء أكثر إمتاعاً من المعرفة، كما يصوّرها الفيلسوف كانط.
***ولكي أجعل من هذه الأسطر تصل إلى قراء «الجريدة» بهذه الصورة البعيدة عن تعقيدات الديالكتيكية - الهيغلية - والخوض فيها بهذه البساطة، فإنّ ذلك قد أخذ منّي وقتاً طويلاً.. وأتمنى أن تلقى مثل هذه الجرعات المعرفية المبسطة الصدى المناسب.