بدون ورق... وبدون كلام
تشهد الساحة الإعلامية والثقافية العربية والكويتية حراكاً محموداً عبر انتشار ثقافة «البودكاست اليوتيوبي» التي تثري الساحة بمعلومات وتحليلات وأفكار تزيد من حصيلتنا المعرفية شاغلة وقت تعطلنا بزحمة الشوارع بالمفيد بعيداً عن الإعلام التقليدي بشقيه الرسمي والتجاري، والذي ينضح سواده الأعظم تلفزيونياً وإذاعياً ثرثرة وجعجعة وكعكعة، ويعود الفضل في ذلك لعدد من المبدعين الذين بادروا بتأسيس تلك البرامج، وهم مستمرون بعطائهم المتفوق على القنوات الإعلامية، على الرغم من محدودية إمكاناتهم المادية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر محمد الزايد مع برنامج «محفوف»، و«السمي» فيصل عبدالرحمن العقل مع برنامج «بدون ورق» الشائق، والذي يتميز بالتأكيد على عدم احتواء الحوار على أية أوراق ليرتكز الحوار على معلومات الضيف وقدرته على إيصالها للجمهور بشكل مباشر، وهو ما يضفي قيمة بتبيان قدراته وتمكنه من الموضوع الذي يطرحه.
كانت انطلاقة «بدون ورق» أثناء جائحة كورونا 2022، وتشرفت باستضافته لي في إحدى حلقاته الأولى واستمتعت فيها بالحوار مع شخص يولي أهمية كبيرة للإعداد مع شغفه وتنوع اهتماماته، لذا فقد كان حصاد قناته اليوتيوبية لعدد 10 ملايين مشاهدة نتاجاً طبيعياً لعمل دؤوب ومستمر استحق هذا النجاح عبر حلقاته المتنوعة التي تنوعت بين السياسي والثقافي والفني والرياضي والتاريخي والديني والاجتماعي والتي وصلت الأسبوع الماضي إلى الحلقة رقم 107 والتي استضاف فيها رئيس مجلس الأمة السابق السيد مرزوق الغانم في حلقة طويلة امتدت خمس ساعات تضمنت 22 محوراً مختلفاً، ومع اعتقادي بأن المقابلة اعتراها الإسهاب إلا أنه يحسب لشخص تبوأ ثاني أهم منصب في الدولة لسنوات طويلة أن يواجه الجمهور بملكاته وقدراته الشخصية تاركاً للجمهور الحكم عليه في الصواب والخطأ، الاتفاق والاختلاف، وهو حق الشعب تجاه شخصياته العامة.
وعلى الضفة الأخرى المقابلة للسلطة التشريعية، ضفاف جميلة ساكنة وصامتة تدعى التنفيذية لم يحِن بعد موعد سماع رؤاها وآرائها وتوجهاتها وتطلعاتها، تطل علينا بفرمانات أخبارها وقراراتها بدون الحاجة لتفسيرها أو تبريرها، مثل دمج حقيبتي الإعلام والأوقاف والشؤون الإسلامية، فهي تفضل تسليتنا واختبار ذكائنا بلعبة «بدون كلام» لنتكهن بمستقبلنا، ولكنها للأسف لعبة قديمة لم تعد تسلينا في زمن الذكاء الاصطناعي.