تعود إحدى أهم مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى الأمن البحري، ولا سيما في مضيق هرمز، حيث يتم نقل حوالي 17 مليون برميل من النفط يوميًا عبر ناقلات النفط.
لحماية هذا المصلحة الحيوية، قامت أميركا بالحفاظ على آلاف من الجنود الأميركيين والقواعد العسكرية في الخليج بشكل مستمر. ومع زيادة الوجود البحري الصيني في الخليج، بدأ البعض في واشنطن يشير إلى أن دول الخليج تتحول بعيدًا عن نطاق تأثير الولايات المتحدة، وتتجه نحو بكين.
ووفقًا لهذه الحجّة، فإن الصين ستحاول أن تؤكد سيطرتها الجديدة في الخليج، تشابهًا لمحاولاتها في بحر الصين الجنوبي، وتهدد الولايات المتحدة بالحصول على إمدادات الطاقة البحرية في المنطقة، مما يتسبب في أضرار هائلة للاقتصاد الأميركي.
ومع ذلك، يجب أن تدرك واشنطن أنه بدلاً من اعتبار هذا الوجود تهديدًا فإن هناك فوائد للتدخل الصيني في الشرق الأوسط، وتشمل هذه الفوائد الاستقرار الإقليمي، كما يتضح بالفعل من خلال تيسير الصين للاتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية. كما أن الشرق الأوسط قد يتحول إلى عبء مالي وعسكري لبكين، مما قد يمنح الولايات المتحدة ميزة في المنافسة الحالية بين الصين والولايات المتحدة.
أولًا، إذا كانت الصين ستورّط نفسها في النزاعات في الشرق الأوسط، فإن ذلك سيستنزف مواردها ويقلل من قدرتها على تحدّي القوة الأميركية في جبهات أخرى. على سبيل المثال، استثمرت الصين ما يقرب من 200 مليار دولار في أميركا اللاتينية، مما يوسع قدرتها على التأثير في السياسة الإقليمية. وقد مارست ضغوطًا على دول جنوب أميركا، وخاصة الأرجنتين، للسماح بإقامة قواعد عسكرية. لكن إذا انشغلت الصين بمشاكل في الشرق الأوسط، فقد يضطرها ذلك لتحديد أولوياتها وتأجيل هذه المشاريع الأخرى.
وبالفعل، تسير بكين نحو هذا الاتجاه. على سبيل المثال، ظهرت العديد من المجموعات المتطرفة التي أسسها مسلمون صينيون في سورية والعراق وأفغانستان تحت عنوان مناصرة المسلمين الصينيين الإيغور. وقد شهدت هذه الدول تفجيرات استهدفت الرعايا الصينيين. ويستهدف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الصين بشكل خاص. وعلاوة على ذلك، شيدت الصين قاعدة بحريّة في جيبوتي، وهناك مواقع محتملة أخرى لقواعد عسكرية في باكستان وسريلانكا وجزر المالديف، كما يعتقد أن الصين نشرت آلافا من قواتها الخاصة في سورية، وبالنسبة للجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش، فإن هذه أهداف محتملة. في الوقت نفسه، ليست هناك أهمية كبيرة للمخاوف بشأن تعزيز الصين لنفوذها الإقليمي الجديد لإلحاق الضرر بالمصالح الاقتصادية الأميركية، خاصة ما يتعلق بشؤون الطاقة.
ونظراً لانغماس الولايات المتحدة الشديد في التجارة العالمية، سيؤدي أي ضرر للأمن البحري، أو أمن الطاقة الأميركي، إلى إلحاق الضرر بالدول الأخرى التي تحاول الصين تعزيز علاقات بكين معها.
بصورة مباشرة، يتعارض تهديد أميركا بهذه الطريقة مع أهداف الصين. وبخلاف الأضرار الجماعية، سوف تؤدي مثل هذه الخطوات أيضاً إلى الانتقام، فالولايات المتحدة تتمتع بنفوذ كبير للغاية في بحر الصين الجنوبي، ودول المنطقة، وغيرها من المناطق الحيوية بالنسبة إلى نفوذ الصين وتجارتها. وإذا ما مارست الصين نفوذها في الشرق الأوسط بطريقة تلحق الضرر بصورة مباشرة بالمصالح الاقتصادية الأميركية، يمكن أن ترد واشنطن على ذلك بسهولة.
هناك بعض الإجراءات الاستباقية التي تستطيع الولايات المتحدة اتخاذها في حال رغبت بزيادة المخاطر التي تكبد الصين تكاليف باهظة. وكبداية، يمكن لواشنطن أن تحد من المصالح المشتركة بين الصين وسكان المنطقة، بينما تترك مساحة كبيرة للتوسع الصيني.
وعلى سبيل المثال، فإن الاعتراف بجهود الصين في حفظ السلام بطريقة إيجابية من شأنه أن يزيل أي عداء تجاه الولايات المتحدة باعتبار ذلك مصلحة مشتركة، وحيث إن أميركا لم تعد تستنكر جهود الصين في حفظ السلام، لن يرى سوى القليل من الدول أن التعاون مع الصين وسيلة لتحدي أميركا.
ويتعين على الولايات المتحدة أن تركز على خفض وجودها العسكري المكثف في الشرق الأوسط تدريجياً، لتترك فراغات ربما تحاول الصين سدها، وبهذه الطريقة، تصبح المصالح والقوات الصينية أهدافاً واضحة للمتشددين، في حين تكون أميركا بعيدة بصورة متزايدة.
ويتعين على الولايات المتحدة إعادة النظر في موقفها الحالي تجاه توسع الصين في الشرق الأوسط، واعتباره فرصة لترك بكين ترتكب أخطاء باهظة الثمن، وينبغي اعتراف واشنطن بأنه ليس كل ما تعتزم الصين فعله في المنطقة سيهدد المصالح الأميركية. والأكثر من ذلك، هو أن بعض مبادرات الصين قد تحقق الاستقرار في أماكن فشلت أميركا تاريخياً في تحقيق الاستقرار بها.
عموماً، فإن هذا النهج يمكن أن يوفر لواشنطن ميزة على منافستها الصين من خلال جعلها مشغولة. ويتعين على واشنطن التصرف بحسم فقط في الحالات الواضحة للغاية التي تتعرض فيها المصالح الأميركية لتهديد مباشر، وإلّا فإن كل ما تحتاج الولايات المتحدة لعمله هو مراقبة الأحداث بحَذَر وتجنّب أي تدخّل سابق لأوانه.
سيميوني ميلر وغاريت إيهينغر*