هل يسير مدمنو النفط تحت عجلات «السيارات الكهربائية»؟
• استخدامها تضاعف 5000% في أقل من 10 سنوات لتمثل 13% من سوق المركبات العالمي • اقتصاد الكويت مازال مصراً على مواجهة تحولات سوق الطاقة بمزيد من المخاطر
ربما بات الحديث عن مخاطر السيارات الكهربائية على استهلاك النفط ومشتقاته واحداً من الملفات الدارجة في عالم الاقتصاد والطاقة بشقيها التقليدي أو النظيف، لكنه في الأشهر القليلة الماضية تحول، مع صدور عدد من البيانات الجديدة، إلى حدث جدير بالتحليل والقراءة والاهتمام.
فوفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية، نمت مبيعات السيارات الكهربائية بوتيرة لافتة خلال 10 سنوات، إذ ارتفعت من 206 آلاف سيارة عام 2013 بحصّة لا تتجاوز 0.2 في المئة من إجمالي سوق السيارات العالمي إلى 10.5 ملايين سيارة بحصة توازي 13 في المئة من السوق نفسه أي إن النمو في سوق السيارات الكهربائية خلال أقل من 10 سنوات تجاوز 5000 في المئة مع توقع بلوغ عدد السيارات الكهربائية المبيعة العام الحالي 14 مليون سيارة بنسبة توازي 18 في المئة من سوق السيارات العالمي.
تحول جوهري
وهذه الأرقام تعطي مؤشرات على استحواذ هذا النوع من السيارات الكهربائية الجديدة على حصة مهمة تصل إلى الخُمس من سوق السيارات العالمي، مما يعني بداية لإحداث تحول جوهري في قطاع النقل العالمي، الذي يشمل إلى جانب السيارات قطاعات الطيران والناقلات وغيرهما، وهو الذي يستهلك نحو 50 إلى 60 في المئة من الإنتاج النفطي العالمي.
الأبحاث في مجال السيارات الكهربائية انتقلت من مرحلة الاكتشاف إلى استخدام التكنولوجيا لخفض التكاليف وجعل هذه المنتجات بمتناول المستهلكين
وشهدت سنوات جائحة كورونا قفزة قوية لسوق السيارات الكهربائية بالتوازي مع نمو التوجه العالمي نحو زيادة الاستثمارات بالطاقة النظيفة، لا سيما مع تنامي الإعانات الحكومية الخاصة بالتوجه نحو السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة وأوروبا، علاوة على تضاعف استثمارات العالم في بطاريات تخزين الكهرباء من 4 مليارات دولار في عام 2017 الى 37 ملياراً للعام الحالي، مما ساهم في تراجع قيمة وتكاليف هذه النوعية من السيارات عما كانت عليه قبل 10 سنوات.
عامل الصين وكان لافتاً أن الصين الدولة الأكبر عالمياً من حيث الطلب على النفط الخام، التي يعتبر مدى التعافي الاقتصادي فيها مؤشراً لصعود أو تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، مثلت نصف سوق السيارات الكهربائية العالمي مدعومة بارتفاع بوجود 4 من أكبر 10 شركات سيارات كهربائية في العالم فيها، إذ تعد شركة «byd» الصينية الأولى عالمياً في مبيعات السيارات العالمية خلال عام 2022 بما يتجاوز 1.9 مليون سيارة معظمها رخيصة القيمة، بل إن الشركة الثانية عالمياً من حيث المبيعات «تسلا» بـ 1.4 مليون سيارة اتجهت إلى صناعة «موديلات» أرخص قيمة لمنافسة السيارات الصينية.
الاستثمار العالمي في بطاريات تخزين الكهرباء تضاعف من 4 مليارات دولار عام 2017 إلى 37 ملياراً في 2023
وبالطبع، ثمة حديث متشعب وتفاصيله لا تنتهي عن استثمارات وأبحاث وتحولات لرفع سعة بطاريات الليثيوم وعمليات استكشاف المعادن الأرضية النادرة حول العالم، إلى جانب سياسات التحفيز في الولايات المتحدة وأوروبا لاستخدام الأوجه المتعددة من الطاقة النظيفة وأبرزها الدعومات الخاصة لشراء السيارات الكهربائية وخفض تكاليف التكنولوجيا والاستخدام وانتشار نقاط الشحن، علاوة على توجه لافت لدى العديد من شركات الطاقة العالمية الكبرى كشيفرون واكسون موبيل وشل وغيرها لزيادة الاستثمارات في الطاقة النظيفة، كان آخرها هذا الأسبوع إعلان عملاق الطاقة الهندي شركة ريلاينس أنها ستستثمر تريليوني دولار بقطاع الطاقة النظيفة في الهند حتى عام 2050.
خطورة أعلى
هذه التحولات في قطاع الطاقة من التقليدية إلى الرهان على نظيرتها النظيفة ليست جديدة بل ممتدة منذ نحو 50 عاماً وزادت وتيرتها بعد استخدام دول الخليج النفط سلاحاً خلال حرب 1973 مع الصهاينة، لكنها اليوم باتت تشكل خطورة أعلى على الدول المعتمدة بشكل أساسي على النفط كمصدر شبه وحيد للإيرادات أو لتمويل المصروفات نتيجة أمرين أساسيين، الأول أن الأبحاث في مجال السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة عموماً انتقلت من مرحلة الاكتشاف، أي صناعة المنتج البديل للنفط من خلال استخدام الكهرباء أو الوقود الحيوي أو طاقة الشمس والرياح... إلخ، إلى مرحلة استخدام التكنولوجيا لخفض التكاليف وإمكانية أن تكون هذه المنتجات في متناول يد أكبر شريحة ممكنة من المستهلكين، أما الأمر الثاني فيتمثل من زاوية أن موازنات دول الخليج تعتمد بنسب لا تقل عن 80 في المئة على العوائد النفطية، وحتى المشاريع المعلنة للتحول الاقتصادي فيها ترتكز على استخدام إيرادات النفط المرتفعة لتنفيذ مشاريع التحول خصوصاً تلك المتعلقة بالبنية التحتية، مما يعني في كل الأحوال ارتفاع المخاطر المالية لدول الخليج، بالتوازي مع أي تقدم تحققه سوق السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة عموماً.
إدمان الكويت
أما الكويت الأكثر عالمياً في مسألة إدمان النفط والأدنى خليجياً في الرغبة بخلق نموذج للتحول الاقتصادي بالتوازي، مع إصرارها على رفع درجة المخاطر المالية المتمثلة بتضخم المصروفات وأحادية مصادرها وهشاشة القدرة على مواجهة المقترحات الشعبوية بل وتبنيها في بعض الأحيان، علاوة على تآكل المصدات المالية والسياسات التحوطية كاستقطاع 10 في المئة من إيرادات النفط لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال القادمة المتوقف منذ ثلاث سنوات أو تنمية الاحتياطي العام وصولاً إلى مرحلة عدم قدرة أسعار النفط المرتفعة حتى وهي مدعومة بعوامل خفض الإنتاج من مجموعة «أوبك بلس» مع توترات الحرب الروسية - الأوكرانية لتكلفة سعر التعادل في الميزانية، إضافة إلى اختلالات سوق العمل والاقتصاد عموماً، فهي بلا شك الأكثر حساسية من نمو السيارات الكهربائية لأنها حساسة أصلاً من أي تحول سلبي في سوق الطاقة.