واشنطن مهتمة بالمشاركة في «طريق التنمية» وتدعو بغداد إلى الشفافية
السعودية تدرس الربط السككي مع إيران عبر الكويت والبصرة
شدد الممثل الخاص لشؤون التجارة والأعمال في وزارة الخارجية الأميركية ديلاوار سيد، الذي أجرى الأسبوع الماضي زيارة للعراق برفقة وفد من غرفة التجارة الأميركية يضم ممثلي 47 شركة، في مؤتمر صحافي عبر الفيديو شاركت فيه «الجريدة»، على ضرورة ضمان «الشفافية» فيما يخص مشروع «طريق التنمية»، الذي أطلقته الحكومة العراقية أخيراً، بهدف إقامة بنية تحتية ولوجستية عبر الربط السككي والبري بين تركيا وأوروبا شمالاً، والخليج العربي جنوباً، لنقل البضائع بين الخليج وأوروبا.
ورداً على سؤال «الجريدة» حول قدرة الولايات المتحدة على تأمين دور لها في المشروع الذي أعلنته حكومة محمد شياع السوداني الشهر الماضي، خلال مؤتمر دُعيت إليه الدول الخليجية بما فيها الكويت، قال سيد، الذي ترأس الوفد الاقتصادي الأميركي، إن واشنطن تتطلع إلى المشاركة في المشروع «بطريقة منفتحة وشفافة وقائمة على المعايير».
وأضاف سيد أنه «من المشجع أن نرى الحكومة العراقية قد خصصت ميزانية وموارد للاستثمار في مستقبلها، ومع هذه الفرصة، يمكن لشركاتنا التنافس على المشاريع عندما تصبح العطاءات متاحة. إننا نحث أصدقاءنا القياديين العراقيين على ضمان الشفافية والانفتاح طوال العملية».
وقال إنه «من الأهمية بمكان مكافحة الفساد في العراق، وضمان استخدام كل دولار يستثمر في مستقبل الشعب العراقي بشكل مناسب، والولايات المتحدة كشريكة للعراق، ملتزمة بدعم هذه الجهود».
ورداً على الجزء الثاني من سؤال «الجريدة»، المتعلق بإمكانية أن يتحول المشروع العراقي الطموح إلى ساحة للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين، لم يستبعد المسؤول الأميركي حصول منافسة مع بكين، وقال في هذا السياق، إن بلاده تتنافس مع منافسيها حول العالم، وأحيانا تتنافس مع أفضل أصدقائها، مضيفاً: «نحن نعتقد أن قطاعنا الخاص يقدم أفضل قيمة، وأفضل الخدمات من أي شخص آخر في العالم. وهذا ما سنفعله في العراق مثلما نفعل في أي مكان آخر».
ويرى خبراء أن مشروع «طريق التنمية» يزيد من أهمية ما يسمى «الممر الأوسط»، الذي يمتد من بكين إلى لندن، رابطاً الصين ودول المنطقة بالشرق الأوسط وأوروبا، والذي يقع في قلب حركة التجارة السنوية بأكثر من 600 مليار دولار.
ويعد هذا الممر بديلاً عن «الممر الشمالي» الذي يمر عبر روسيا، والذي تأثر بالحرب الروسية- الأوكرانية، و«الممر الجنوبي» الذي يمر عبر إيران، والذي تأثر بعدم الاستقرار في سورية.
وهذا يعني أن المشروع العراقي الواعد سيكون محط اهتمام في الصين، التي سعت، دون أن تنجح حتى الآن، للفوز باستثمارات في ميناء الفاو بالبصرة الذي سيكون بوابة «طريق التنمية»، على عكس ما جرى في ميناء مبارك الكبير الكويتي، الذي أمّنت بكين استثمارات مهمة فيه، ومن المرجح أن يشكل بوابة أخرى تكاملية للمشروع العراقي.
وحتى الساعة بقيت ردود الفعل في إيران على المشروع العراقي إيجابية رغم أنه ينافس طريقها إلى البحر المتوسط، وهي ترى في الخطوة العراقية إمكانات لتمتين التقارب مع السعودية، عبر تحويل العراق إلى نقطة ربط.
وفي هذا الإطار نقل كبير مراسلي صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية في شؤون الشرق الأوسط جورج مالبرونو، عن مصدر سعودي مشارك في منتدى الاستثمار السعودي ـ الفرنسي، الذي عُقِد على هامش زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لباريس، أن الرياض تدرس الربط السككي مع إيران عبر الكويت والبصرة.
وأجرى مالبرونو زيارة في نوفمبر للكويت، حيث عقد لقاءات مع مسؤولين كويتيين ونخبة من الإعلاميين والباحثين الكويتيين.
والأحد الماضي أصدرت الحكومة الكويتية، مرسوماً بالموافقة على اتفاقية مع السعودية بشأن مشروع الربط السككي بين الدولتين لنقل البضائع والركاب.
وكان «طريق التنمية» أو ما يعرف بـ «القناة الجافة» بنداً رئيسياً على جدول أعمال زيارة رئيس الوزراء العراقي لأنقرة في مارس الماضي، وأطلق عليه الرئيس التركي اسم «طريق الحرير الجديد» لمنطقة الشرق الأوسط، في حين ركّز السوداني على أهمية المشروع لتصدير الغاز العراقي.
ورحّب البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، بزيارة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني للعراق، وأشاد خصوصاً بـ «المشروع التاريخي الذي تم توقيعه في وقت سابق من هذا العام مع شركة توتال إنيرجي (الفرنسية) والشركات الأميركية والقطرية ويشمل استخراج الغاز الطبيعي»، معتبراً أنه «يخدم احتياجات الشعب العراقي مع تقليل الانبعاثات». وتوصل العراق والسعودية إلى اتفاق لقيام شركة «أرامكو» السعودية باستثمار وتطوير حقل «عكاز» الغازي.
وفي هذا السياق، أوضح سيد أن الوفد الأميركي ضم في صفوفه ممثلي شركات متخصصة في الطاقة المتجددة، «لا سيما في مسألة الاستفادة من الغاز المنطلق (من عمليات استخراج النفط) بدلاً من اشتعاله»، مشيراً إلى أن الاستفادة من الغاز ستساعد العراق في استخدام مصدر بديل لاستهلاكه المحلي من الغاز، الذي يستورده حالياً من الدول المجاورة، وبشكل أساسي من إيران.
رغم كل ذلك، يواجه المشروع العراقي عراقيل كبيرة محلية وخارجية، إلا أن الأرضية الاستراتيجية لإمكانية نجاحه تبدو مؤمّنة، فهو يضمن للصين ممراً بديلاً إلى أوروبا، كما يلبي تطلعات واشنطن ودول الخليج لاندماج العراق في المنطقة.
ويعتمد كل ذلك على ضرورة أن يخدم المشروع مصالح دولتي جوار مع العراق هما الكويت وإيران، وضرورة مشاركة البلدين في المشروع والاستفادة منه، ويبدو أن صناع القرار في بغداد واعون إلى هذا الشرط، رغم صدور تصريحات قد يراها البعض سلبية مثل إشارة المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي نهاية الشهر الماضي، إلى أن بغداد ستمضي في المشروع «حتى لو لم تشترك أي دولة أو شركة استثمارية».