يتلقى العميل جيمس بوند استدعاء من المخابرات البريطانية في مهمة وطنية جديدة لإنقاذ العالم من أحد المهووسين بالسيطرة عليه عبر تكنولوجيا اصطناعية تفوق ذكاء البشر وقدراتهم، وبوازع وطني وأخلاقي بامتياز يلبي العميل 007 نداء الواجب لتنفيذ المهمة التي تنتهي دائماً بالقضاء على هذه التكنولوجيا والمهووس الذي ابتكرها.
اليوم، وبعد مرور أكثر من ستين عاماً من إصدار أول رواية للمؤلف إيان فلمنغ عن الجاسوس البريطاني الخيالي بوند، والتي يدور أغلبها حول هذه التيمة الدرامية، وتحققت شهرتها من خلال سلسلة تجاوزت نحو 25 فيلماً، يبدو أننا في حاجة إلى استدعاء هذا العميل الأسطوري للتعامل مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والمهووسين الذين ابتكروه أو يعملون على تطويره.
ربما لا يحتاج الأمر إلى الاستعانة ببطل من نوع خاص كبوند، إذا اقتصر على التهديد الذي يمثله الذكاء الاصطناعي للوظائف والمهن أو الآثار التي من الممكن أن يحدثها هذا التطور الهائل في التقنية على الاقتصاد العالمي، تحديداً بما يتعلق بمعدلات التضخم أو الركود ليس في قطاعات بعينها، لكن في كامل القطاعات الاقتصادية، بما فيها قطاع التكنولوجيا.
لكن، ورغم فوائده المتعددة، يكمن التهديد الحقيقي للذكاء الاصطناعي، وحسب أوراق معتبرة، في احتمالية أن تؤدي هذه التكنولوجيا إلى انقراض البشرية، إذ حذر منه أكثر من 350 خبيراً في المجال حول العالم، وقالوا إن التخفيف من هذا الخطر «يجب أن يكون أولوية عالمية إلى جانب المخاطر المجتمعية الأخرى، مثل الأوبئة والحرب النووية»، كما أعرب العديد من الخبراء عن قلقهم بشأن أخطار استخدام نماذج مثل «تشات جي بي تي» لنشر المعلومات الخاطئة والجرائم الإلكترونية، فضلاً عن التسبب في تعطيل الوظائف على مستوى المجتمع، وفق تقرير لصحيفة «ذا تايمز» البريطانية.
كذلك أقر البيان، الذي نسقه المركز الأميركي لسلامة الذكاء الاصطناعي (CAIS)، بهذه المخاوف، لكنه قال إنه يجب أيضاً مناقشة تهديدات أكثر خطورة، ولكن أقل احتمالاً، بما في ذلك احتمال أن يؤدي تسريع الذكاء الاصطناعي إلى انهيار الحضارة.
كما طالب عشرات من قادة قطاع التكنولوجيا في رسالة بقيادة «إيلون ماسك» بإيقاف تطوير أقوى أنظمة الذكاء الاصطناعي لمدة ستة أشهر على الأقل، خشية المخاطر العميقة التي يتعرض لها المجتمع والبشرية!
وعلى المستوى الرسمي حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من مخاطر الذكاء الاصطناعي، قائلاً: «أجراس الإنذار بشأن أحدث أشكال الذكاء الاصطناعي- الذكاء الاصطناعي التوليدي- تصم الآذان الآن»، ورأى أنه يجب أن نأخذ تحذيرات العلماء والخبراء بشأن الذكاء الاصطناعي والتعامل معه كخطر وجودي على البشرية يتساوى مع خطر الحرب النووية، مأخذ الجد.
ولأن التيمة الدرامية لا بد أن يكون لها فواصلها الكوميدية، ولأن في حياة كل المهووسين الذين قابلهم جيمس بوند جانباً ظريفاً، يشبه إلى حد ما الجانب الظريف في شخصية إيلون ماسك، كان الفاصل هنا حين ظهر للصحافي الشاب، في نتائج بحثه، عبر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، عن الشاعر المصري الراحل أمل دنقل، غالباً، لتساعده في كتابة تقرير بمناسبة الذكرى الأربعين لرحيله، نتائج اصطناعية للغاية.
فقد أخبرت هذه التكنولوجيا الصحافي بأن أمل دنقل ممثلة وفنانة استعراضية مصرية ونسج سيرة ذاتية عن شخصية وهمية عاشت حياة مليئة بتخاريف كتخاريف «أحلام العصاري».
هنا كانت الكوميديا سوداوية، والدراما واقعية، وبعكس دراما إيان فيلمنغ التي لا تخرج عن إطار التسلية والإثارة، فهي هادفة، إذ تحذر من مخاطر هذه التقنية، وتطرح تساؤلا مهماً: هل يستطيع ذكاء اصطناعي بهذا «الذكاء» أن يستمر طويلاً؟